تقريظ سماحة آية اللَّه جعفر السبحاني











تقريظ سماحة آية اللَّه جعفر السبحاني



بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الإمام عليّ جوهرة خلقها اللَّه، وصاغها النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله

الکلام حول أبي الأئمّة، أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين، وراية الهدي، ومنار الإيمان، وباب الحکمة، والممسوس في ذات اللَّه، وخليفة النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله، أوّل القوم إيماناً، وأوفاهم بعهد اللَّه، وأعظمهم مزيّةً، وأقومهم بأمر اللَّه، وأعلمهم بالقضاء، وليد البيت الإلهي المعظّم، والشهيد في محرابه مجسّداً بذلک حسنَ المطلع وحسن الختام.[1] .

الکلام حول أبي الأئمّة... لا يسعُه المقالُ، ولا الکتابُ، ولا الموسوعة؛ لأنّ الإمام جوهرة فريدة خلقها اللَّه، وصاغها محمّد صلي الله عليه و آله، فما ظنّک بإنسان رُبِّي في حجر النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله، فتسامي في الشخصيّة والخُلق ليکون رائداً إلهيّاً هادياً للاُمّة بعد رحيله صلي الله عليه و آله.

فهذا هو الإمام أحمد بن حنبل يقول: ما لِأحدٍ من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثلما لعليّ رضي الله عنه.[2] .

ويصفه تلميذه ابن عبّاس فيقول: ما نزل في القرآن «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلّا وعليٌّ رأسُها وأميرُها، ولقد عاتب اللَّه أصحاب محمّد في غير مکان، وما ذکر عليّاً إلّا بخيرٍ.[3] .

ويقول في کلامه الآخر: نزلت في عليّ أکثر من ثلاثمائة آية في مدحه.[4] .

وهذا ضرار بن عمرو أحد أصحابه وحواريّيه يصفه لمعاوية - عندما طلب منه ذلک - قال: واللَّه لقد کان بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلاً، ويحکم عدلاً، يتفجّر العلمُ من جوانبه، وتنطقُ الحکمةُ من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته.

کان واللَّه غزيرَ الدمعة، طويلَ الفکرة، يقلّب کفّيه، ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب - إلي أن قال: - فأشهد باللَّه لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدولَه، وغارت نجومُه، وقد مثُل في محرابه، قابضاً علي لحيتهِ، يتملل تململ السَّليم، ويبکي بکاء الحزين، وکأنّي أسمعهُ وهو يقول: يا دنيا يا دنيا، أبي تعرَّضتِ؟ أم إليَّ تشوّقتِ؟ هيهاتَ هيهاتَ غُرّي غَيري، قد باينتکِ ثلاثاً لا رجعة لي فيکِ، فعمرُکِ قصير، وعيشک حقير، وخطرک کثير. آه من قلّة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق.

قال: فذرفت دموع معاوية علي لحيته فما يملکها، وهو ينشفها بکُمِّهِ، وقد اختنق القوم بالبکاء، فقال معاوية: رحم اللَّه أبا الحسن، کان واللَّه کذلک، فکيف حزنک عليه يا ضرار؟

قال: حزن من ذُبِح وَلَدُها في حجرها، فلا ترقأ عبرتها، ولا يسکن حزنها.[5] .

هذه إلماعة إلي محيط فضل عليّ عليه السلام، وقبس من مناقبه الکثيرة الّتي لم تزل المکتبة الإسلاميّة تشهد کلّ يوم جديداً من أروع ما تدبّجه أقلام المفکّرين، ويراعات الاُدباء المبدعين.

وممّا جاء به عصرنا الحاضر کتاب «الفصول المائة في حياة أبي الأئمّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام» الّذي اختار فيه المؤلّف القدير مائة فصل من فصول ما يرجع إليه شخصيّة إمام المتّقين، وحياته، ومناقبه وفضائله، ونشره في خمسة أجزاء، فجاء سفراً رائعاً جامعاً في کلّ فصل، أبرز ما يتّصل بالإمام من کتابٍ وسنّةٍ، وکلمات مأثورة عن أئمّة الحديث، وحُفّاظ السنّة، فشکر اللَّه مساعي مؤلّفنا العلّامة الجليل فضيلة السيّد أصغر ناظم زاده، وجزاه أحسن الجزاء.

إنّ الإمام عليّاً عليه السلام هو الرجل الأمثل الّذي يظنّ بمثله الدهر إلّا في فترات قليلة جدّاً، ومن هنا فمهما توالت الکتابات عن الإمام لما وصل الکاتب إلي ساحل هذا البحر الزاخر، فلعلّ هناک فصولاً في شخصيّة الإمام يجب أن يبحث عنها المؤلّفون، ويخوضها المحقّقون، وإن کان الکتاب الحاضر فريداً في بابه، موفّقاً في هدفه، فحيّا اللَّه المؤلّف، وتقبّل منه صنيعه المبارک بفضله وکرمه.

قم - مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام

عشيّة يوم الخمس 15 / جمادي الآخرة / من شهور عام 1413

جعفر السبحاني







  1. الصفات المذکورة في هذه الجمل ممّا ورد به النصّ من النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله، وأخرجه الحفّاظ في کتبهم، کالإمام أحمد في مسنده 331:1 و 182:5 و 189، وأبي نعيم الإصفهاني 63:1 و 67، إلي غير ذلک، راجع: الغدير 33:2.
  2. ابن الجوزي الحنبلي، مناقب أحمد: 163.
  3. الإمام أحمد، المسند 190:1.
  4. جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء: 172.
  5. شرح ابن أبي الحديد 225:18.