ان عليّاً أوّل من جمع القرآن بعد وفاة رسول اللَّه











ان عليّاً أوّل من جمع القرآن بعد وفاة رسول اللَّه



إنّ أوّل مَن تصدّي لجمع القرآن بعد وفاة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإنّه قعد في بيته مشتغلاً بجمع القرآن وترتيبه علي ما نزل مع شروح وتفاسير للمواضع المبهمة من الآيات، وبيان أسباب النزول، ومواقع النزول، وبيان الناسخ والمنسوخ، والمحکم والمتشابه، حتّي أکمله علي هذا النمط البديع.

قال الشارح المعتزلي: هو (عليٌّ عليه السلام) أوّل من جمع القرآن، نقلوا کلّهم أنّه تأخّر عن بيعة أبي بکر، فأهل الحديث لا يقولون ما تقوله الشيعة من أنّه تأخّر مخالفة للبيعة[1] بل يقولون: تشاغل بجمع القرآن، فهذا يدلّ علي أنّه أوّل من جمع القرآن؛ لأنّه لو کان مجموعاً في حياة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لما احتاج إلي أن يتشاغل بجمعه بعد وفاته صلي الله عليه و آله.

وإذا رجعت إلي کتب القراءات وجدت أئمّة القرّاء کلّهم يرجعون إليه عليه السلام، کأبي عمرو بن العلاء، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهما؛ لأنّهم يرجعون إلي أبي عبدالرحمن السلمي القاري، وأبو عبدالرحمن کان تلميذ عليّ عليه السلام، وعنه عليه السلام أخذ القرآن، فقد صار هذا الفنّ من الفنون الّتي تنتهي إليه أيضاً.[2] .

قال سليم بن قيس: فلمّا رأي غدرهم وقلّة وفائهم له لزم بيته، وأقبل علي القرآن أن يؤلّفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتّي جمعه، وکان في الصحف والشظاظ والأسيار والرقاع. فلمّا جمعه کلّه وکتبه بيده، تنزيله وتأويله، والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبوبکر أن اخرج فبايع، فبعث إليه عليّ عليه السلام: «إنّي لمشغول، وقد آليت علي نفسي يميناً أن لا أرتدي رداءً إلّا للصلاة حتّي اُؤلّف القرآن وأجمعه».

فسکتوا عنه أيّاماً، فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثمّ خرج إلي النّاس وهم مجتمعون مع أبي بکر في مسجد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فنادي عليّ عليه السلام بأعلي صوته: «أيّها النّاس، إنّي لم أزل منذ قُبض رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مشغولاً بغسله، ثمّ بالقرآن حتّي جمعته کلّه في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل اللَّه علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله آية إلّا وقد جمعتها، وليست منه آية إلّا وقد أقرأنيها رسولُ اللَّه وعلّمني تأويلها»، ثمّ قال لهم عليّ عليه السلام: «لئلّا تقولوا غداً: إنّا کنّا عن هذا غافلين». ثمّ قال لهم عليّ عليه السلام: «لا تقولوا يوم القيامة: إنّي لم أدعکم إلي نصرتي، ولم اُذکّرکم حقّي، ولم أدعکم إلي کتاب اللَّه من فاتحته إلي خاتمته».

فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه، ثمّ دخل عليّ عليه السلام بيته.[3] .







  1. والحقّ عندنا أنّه تأخّر مخالفة للبيعة، وفي فترة تأخّره - الّتي طالت ستّة أشهر - جمع القرآن.
  2. شرح ابن أبي الحديد 27:1.
  3. کتاب سليم بن قيس: 32، طبع مؤسّسة البعثة.