نظرة في أحاديث التشبيه











نظرة في أحاديث التشبيه



شبّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً بالأنبياء في موارد ومناسبات متعدّدة، وأمام جمع من الصحابة، والتعبير الّذي تداوله صلي الله عليه و آله في هذا المجال هو: «من أراد أن ينظر إلي... فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب».

وبالجملة فإنّه صلي الله عليه و آله شبّهه بآدم في علمه، وبنوح في فهمه وحکمته، وبإبراهيم في خلّته وعلمه، وبموسي في بطشه ومناجاته، وبعيسي في عبادته ونسکه، وبأيّوب في صبره، وبيوسف في جماله، وبداود في قوّته، وبه صلي الله عليه و آله في هداه وحلمه.

قال المحبّ الطبري: تشبيه عليّ عليه السلام بخمسة من الأنبياء، کما عن أبي الحمراء، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه، وإلي نوح في فهمه، وإلي إبراهيم في حلمه، وإلي يحيي بن زکريّا في زهده، وإلي موسي في بطشه، فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب».[1] .

قال صاحب (العبقات) ما ملخّصه: فقد شبّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً عليه السلام بهؤلاء الخمسة الرسل في اکتسابه عليه السلام للخصال الشريفة من خصالهم: فمن آدم أبي البشر العلم، فإنّ اللَّه تعالي خصّه بأنّه علّمه الأسماء کلّها، ثمّ أبان فضله بذلک، ونوّه بعلمه حيث عرض علي الملائکة أسماء المسمّيات، وطلب منهم إنباءه بأسمائها فعجزوا، وطلب من آدم إنباءهم فأنبأهم عليه السلام بها، فهذه فضيلة من أشرف فضائل آدم الّتي شرّف بها بين الملأ الأعلي.

وشبّهه بنوح عليه السلام في فهمه؛ لأنّه أمره اللَّه تعالي بصنعة الفلک، وفيها من دقائق الإحکام والإتقان ما لا تحصره الأقلام ولا تدرکه الأفهام، وکانت لم تعرف ولا اهتدي إليها فکر قبل ذلک، وکان فيها من الاتقان والبيوت الّتي في جوفها له ولمن معه، والأنعام والوحوش والسباع، واختلافها طولاً وعرضاً کجؤجؤ طائر، وقد جعل اللَّه الحمل فيها من آياته، حيث قال: «وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْکِ الْمَشْحُونِ»[2] وعدّ الامتنان بها في الذِّکر في عدّة من الآيات، فالمراد فهمه لما أفهمه من صنعتها، ولذلک جعل صنعتها مقيّدة بأعيينا في قوله: «وَاصْنَعِ الْفُلْکَ بِأَعْيُنِنَا».[3] وقوله صلي الله عليه و آله في حديث التشبيه: «في حکمه» أي في حکمه الناشئ عن حکمه وقوّته وصحّته. ويحتمل أن يکون المراد فهمه العام في صنعة الفلک وغيره ممّا فهمه عن اللَّه تعالي ؤمره.

وشبّهه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بابراهيم الخليل في حلمه، وهو من أشرف الصفات، ولذلک قيل: ما نعت اللَّه الأنبياء بأقلّ ما نعتهم بالحلم، وذلک لعزّة وجوده، ولقد نعت اللَّه به إبراهيم عليه السلام بقوله: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ»[4] وقوله: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ».[5] ومن حلمه عليه السلام الّذي تخفّ عنه رواسي الجبال، امتثاله لأمر اللَّه تعالي بذبح ولده عليهماالسلام وإضجاعه وکتفه له، وإمرار المدية علي حلقه لولا منع اللَّه لها أن تقطع، فلهذا وصفه اللَّه ووصف ولده بالحلم.

وشبّهه صلي الله عليه و آله بيحيي بن زکريّا عليه السلام في زهده؛ إذ يحيي عليه السلام هو عَلَمُ الزهادة في أبناءِ آدم مَن تأخّر منهم ومن تقدّم، وقد ملئت الکتب باليسير من صفات زهده.

وشبّهه صلي الله عليه و آله بموسي کليم اللَّه في بطشه، وکان موسي عليه السلام شديد البطش، ويکفيک أنّه عليه السلام وکز القبطي فقضي عليه، وأراد البطش بالآخر، وهو في بلد فرعون وتحت يده، وکان بنو إسرائيل أرقّاء في يد فرعون، وکان القبط أهل الصولة والشوکة والدولة.

وشبّهه صلي الله عليه و آله في الحديث الآخر بيوسف في جماله، ويوسف في جماله شمس لا يزيدها الوصف إلّا خفاء، فهي أظهر من أن تظهر، وکان عليّ عليه السلام فيه حسن وجمال.[6] .

أنشأ ابن مکّي:


فإن يکن آدم من قبل الوري
نبيّ وفي جنّة عدن داره


فإنّ مولاي عليّ ذو العلي
من قبله ساطعة أنواره


تاب علي آدم من ذنوبه
بخمسة وهو بهم أجاره


وإن يکن نوح بني سفينة
تنجيه من سيل طمي تيّاره[7] .


فإنّ مولاي عليّ ذو العلي
سفينة يُنجي بها أنصاره


وإن يکن موسي رعي مجتهداً
عشراً إلي أن شفه انتظاره


وسار بعد ضرّه بأهله
حتّي علت بالواديين ناره


فإنّ مولاي عليّ ذو العلي
زوّجه واختاره مَن يختاره


وإن يکن عيسي له فضيلة
تدهش من أدهشه انبهاره


من حملته اُمّه ما سجدت
للّات بل شغلها استغفاره[8] .







  1. ذخائر العقبي: 193، عبقات الأنوار - الجزء الثاني 88:6، وراجع: المناقب لابن المغازلي: 212، ح 256، وسيلة المتعبّدين - القسم الثاني 168:5، نحوه، فرائد السمطين 170:1، ح 131، ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من تاريخ دمشق 280: 2، ح 811، شواهد التنزيل 78:1، ح 116 و 117، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 44:1، ح 23 من الفصل الرابع، المناقب للخوارزمي: 40، وغيرها.
  2. سورة يس: 41.
  3. سورة هود: 37.
  4. سورة التوبة: 114.
  5. سورة هود: 75.
  6. عبقات الأنوار - الجزء السادس 89:6.
  7. طمي الماء: علا. والتيّار - مشدّدة -: موج البحر.
  8. المناقب لابن شهرآشوب 265:3.