نظرة في الحديث
کما صرّح فقهاء العامّة بصحّة هذا الحديث سنداً ومتناً، ولا يوجد أدني شکّ أو تردّد لدي فقهاء الإماميّة أيضاً کما سنشير إليه، وورد بلفظ: «أنا دار الحکمة وعليّ بابها».[2] . ومع وجود بعض الاختلاف في تعابير الحديث المنقولة إلينا إلّا أنّ مضمونه واحد، وهو أنّ الرسول صلي الله عليه و آله مدينة العلم والحکمة، وعليّ بابها، فمن أراد أن ينهل من ذخائر وکنوز الوحي الإلهي والعلوم القرآنيّة والحقائق الإسلاميّة، فعليه أن يدخل من باب الحکمة (عليّ بن أبي طالب) والأئمّة المعصومين عليهم السلام إلي المدينة المتمثّلة بالرسول الأکرم صلي الله عليه و آله. ومن أراد التعرّف علي حقائق القرآن، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والعامّ والخاصّ، و...فعليه الاستفادة من علم عليّ عليه السلام، ولهذا قال الرسول صلي الله عليه و آله: «عليّ مع القرآن والقرآن معه».[3] . ومن أراد التعرّف علي أحکام الإسلام السياسيّة والعباديّة والاجتماعيّة والتربوية والقضائيّة وعلي کلّ حقائق الإسلام المحمّدي الأصيل يجب أن يستفيد من علم عليّ عليه السلام؛ إذ لا يوجد أيّ سبيل إلي العلوم الإلهية إلّا عليّ عليه السلام، کما ورد في الحديث عن أبي عبداللَّه عليه السلام: «الذکر محمّد صلي الله عليه و آله، ونحن أهل الذکر» بعد قوله تعالي: «فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِن کُنتُم لَا تَعْلَمُونَ»[4] أو قوله عليه السلام: «إيّانا عني، ونحن أهل الذِّکر، ونحن المسؤولون» بعد قوله تعالي: «وَإِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَلِقَوْمِکَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ»[5] وعليّ عليه السلام يقول في وصف علمه: «ينحدر عنّي السيل، ولا يرقي إليَّ الطير».[6] . لقد کان ولا يزال علم عليّ عليه السلام عيناً تنبع بالفيض الإلهي وخزائن الحقائق السرمديّة في کلّ مکان وزمان، وحتّي في الفترة الّتي عاشها بعيداً عن السياسة بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله والّتي شغل خلالها بالزراعة والعمل، فمع هذا کان الخلفاء الثلاثة يرجعون إلي عليّ عليه السلام في حلّ مشکلاتهم القضائيّة والعلميّة المختلفة رغم أنّهم يرغبون في عدم ظهوره عليه السلام في الساحة السياسية. لقد اضطرّ الخلفاء الثلاثة إلي الرجوع إلي عليّ عليه السلام في أغلب معضلاتهم القضائيّة والعلميّة والسياسيّة إلي الحدّ الّذي قالوا: «لولا عليّ لهلک عمر، ولولا عليّ لهلک عثمان»، وقال الخليفة الثاني: «لا أبقاني اللَّه لولا أبو الحسن».[7] . وبعد هذا العرض الموجز لبيان حديث «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» تبيّن لنا بشکل واضح أنّه لا يمکن أن يحلّ شخص ما محلّ باب مدينة العلم عليه السلام في خلافة المسلمين بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأن يکون وعليّ عليه السلام بعيداً عنها، لا يمکن ذلک عقلاً مطلقاً.
لقد وصل إلينا حديث: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» متواتراً عن طريق الأئمّة المعصومين عليهم السلام والصحابة الکرام، في کتب العامّة[1] والخاصّة.