شواهد علي دلالة حديث الغدير علي إمامة عليّ











شواهد علي دلالة حديث الغدير علي إمامة عليّ



منها: مخاطبة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لجماهير الناس قبل إيراد هذا المقال بقوله: «ألست أوْلي بکم من أنفسکم؟»، ثمّ فرّع عليه بقوله: «مَن کنت مولاه فعليّ مولاه»، فلا يکون کسب الإقرار من النّاس إلّا لأجل التمکّن منهم وحملهم علي أن لا يأبوا عمّا يريد أن يعقّبه بجعل عليّاً عليه السلام الزعيم عليهم والمتصرّف في شؤونهم لا محالة، فتتعيّن إرادة ما هو متضمّن لمعني التسلّط من معاني کلمة المولي دون غيره من معانيه.

ومنها: دعاؤه صلي الله عليه و آله بعد إلقاء هذا المقال في حقّ عليّ عليه السلام علي النّاس بقوله: «اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره...»، المرويّ بطرق کثيرة، فإنّها تدلّ علي أنّ الأمر الّذي أتي به في عليّ يحتاج في تثبيته إلي النصرة والموالاة له ويحترز عليه من المعاداة والخذلان له. مضافاً إلي دلالة هذا الدعاء في حقّ عليّ عليه السلام علي أنّه لا تجوز معاداة عليّ عليه السلام وخذلانه في شي ء ممّا يريد، فهي تدلّ علي تسلّطه علي النّاس بکلّ ما يريد.

ومنها: الأخبار الواردة بطرق کثيرة والمشيرة إلي نزول قوله تعالي: «الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي» في يوم الغدير، فتدلّ علي أنّ المراد بالمولي ما يرجع إلي الإمامة الکبري؛ إذ ما يکون سبباً لکمال الدين وتمام النعمة علي المسلمين ليس إلّا ما کان من اُصول الدين، مضافاً إلي ما ورد في بعض طرق الحديث من أنّه صلي الله عليه و آله قال عقيب لفظ الحديث: «اللَّه أکبر علي إکمال الدين، وإتمام النعمة، ورضي الربّ برسالتي، والولاية لعليّ بن أبي طالب».

ومنها: الأخبار المتقدّمة الدالّة علي نزول قوله تعالي: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْکَ مِن رَبِّکَ» في حقّ عليّ عليه السلام في غدير خمّ، فتدلّ الآية علي أنّ ترک نصبه بالولاية مساوٍ لترک تبليغ الرسالة برأسها.

ومنها: إلقاء هذا المقال الشريف عقيب أخذ الشهادة منهم بالوحدانيّة، والشهادة بالنبوّة، وذکر قوله: «مَن کنت مولاه فعليّ مولاه» في سياقها يدلّ علي أنّ ما أفاده بهذا المقال أمر مهمّ يبتني عليه الإسلام.

ومنها: أنّه صلي الله عليه و آله بعد تبليغ الولاية إلي النّاس بمجمع من جماهير المسلمين قال: «فيبلِّغ الحاضر الغائب»، فيدلّ هذا الاهتمام الشديد بإيصال خطابه الشريف وکلامه المنيف إلي جميع المسلمين، علي أنّ المراد من الحديث ليس معنيً معلوماً بالکتاب والسنّة يعلمه کلّ أحد کالنصرة والمحبّة.

ومنها: القرائن الحالية، وهي کثيرة واضحة الدلالة علي المقصود کنزوله صلي الله عليه و آله في حرّ الهجير والسماء صافية علي الحصباء والرمضاء الّتي کادت تتوقّد من إشراق الشمس، بحيث نقل النقلة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحرّ وضع بعض النّاس ثوبه علي رأسه، وبعضهم يلفّه برجله، وبعضهم استظلّ بمرکوبه، وبعضهم استظلّ بالصخور وانحنائها.. وأمره صلي الله عليه و آله برجوع من تقدّم وتوقّف من تأخّر، وانحناؤه عن يمين الطريق إلي جنب مسجد الغدير وإنشاؤه تلک الخطبة الغرّاء المفصّلة الّتي قد نقلناها. فکل هذه قرينة واضحة علي ان الأمر بالولاية امر مهم و ليس صرف المحبّة و المودّة القلبية المحضة.

ومنها: فهم الحاضرين في غدير خمّ عند تلک الواقعة والمستمعين لکلامه هذا، معني الإمامة الکبري والزعامة العظمي، ويشهد لذلک اُمور:

الأوّل: بيعة النّاس لعليّ عليه السلام ومصافقتهم معه وتهنئتهم للنبيّ ولعليّ (صلوات اللَّه عليهما)، وأوّل من أقدم بالتهنئة والبخبخة - کما مرّ - أبو بکر، ثمّ عمر بن الخطّاب، ثمّ عثمان و...

الثاني: واقعة الحارث بن النعمان الفهري، کما مرّ حديثه.

الثالث: استئذان حسّان بن ثابت عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في نظم أبيات في الواقعة، کما مرّ شعره.

الرابع: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام بعد اجتماع النّاس علي نصبه بالخلافة واستقرار الأمر إليه، لمّا نُوزع في أمر الخلافة حضر رحبة الکوفة بمجتمع من النّاس واستنشدهم بهذا الحديث، ردّاً علي مخالفيه في أمر الخلافة، فشهد کثير من الصحابة بذلک.

الخامس: احتجاجه عليه السلام وغيره من الأئمّة وبعض الصحابة بحديث الغدير لأحقّيّته عليه السلام بالخلافة العظمي والإمامة الکبري، کما مرّ شرحه.

وبالجملة فکلّ من بلغه هذا الحديث، فهم منه الإمامة والزعامة الکبري في ذلک العصر والأعصار التالية، عصراً بعد عصر، من العلماء علي اختلاف مشاربهم وفنونهم، والشعراء وأرباب الأدب. ومن شاء الوقوف علي تلک الأشعار فليراجع الغدير للمرحوم الأميني شکر اللَّه سعيه وحشره مع مواليه.[1] .

اللّهمّ إنّا أتممنا الحجّة، وأوضحنا المحجّة لإخواننا المسلمين، فهم مختارون کما قال اللَّه تبارک وتعالي: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاکِراً وَإِمَّا کَفُوراً»، «فَمَن شَاءَ فَلْيُوْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَکُفُرْ»، صدق اللَّه العليّ العظيم، وصدق رسوله الکريم، والحمد للَّه ربّ العالمين.







  1. انظر: إحقاق الحقّ 478 - 470: 2.