الشكّ في عمومه











الشکّ في عمومه



بعض منکري مناقب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنکر عموم حديث المنزلة، وزعم أنّه خاصّ بمورده، واستدلّ بسياق الحديث وسببه؛ لأنّه إنّما قال صلي الله عليه و آله لعليّ حين استخلفه علي المدينة في غزوة تبوک، فقال له الإمام: «أتخلّفني في النساء والصبيان؟»، فقال: «أما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»، وکأنّه صلي الله عليه و آله أراد کونه منه بمنزلة هارون من موسي، حيث استخلفه في قومه عند توجّهه إلي الطور، فيکون المقصود أنت منّي أيّام غزوة تبوک بمنزلة هارون من موسي أيّام غيبته في مناجاة ربّه.[1] .

امّا الجواب عن:

قال السيّد شرف الدين (قدّس اللَّه روحه): نحن نوکل الجواب عن قولهم بعدم عموم الحديث إلي أهل اللسان والعرف العربيّين، وأنت حجّة العرب لا تدافع ولا تنازع، فهل تري اُمّتک - أهل الضادّ - يرتابون في عموم المنزلة من هذا الحديث؟ کلّا وحاشا مثلک أن يرتاب في عموم اسم الجنس المضاف وشموله لجميع مصاديقه، فلو قلت: منحتکم إنصافي مثلاً، أيکون إنصافک هذا خاصّاً ببعض الاُمور دون بعض، أم عامّاً شاملاً لجميع مصاديقه؟ معاذ اللَّه أن تراه غير عامّ، أو يتبادر منه إلّا الاستغراق، ولو قال خليفة المسلمين لأحد أوليائه: جعلت لک ولايتي علي النّاس أو منزلي أو منصبي فيهم أو ملکي، فهل يتبادر إلي الذهن غير العموم؟ وهل يکون مدّعي التخصيص ببعض الشؤون دون بعض إلّا مخالفاً مجازفاً، ولو قال لأحد وزرائه: لک في أيّامي منزلة عمر في أيّام أبي بکر إلّا أنّک لست بصحابي، أکان هذا بنظر العرف خاصّاً ببعض المنازل أم عامّاً؟ ما أراک واللَّه تراه إلّا عامّاً، ولا ارتاب في أنّک قائل بعموم المنزلة في قوله صلي الله عليه و آله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي» قياساً علي نظائره في العرف واللغة، ولا سيّما بعد استثناء النبوّة، فإنّه يجعله نصّاً في العموم، والعرب ببابک فسلها عن ذلک.

وأمّا قول الخصم بأنّ الحديث خاصّ بمورده، فمردود من وجهين:

الوجه الأوّل: أنّ الحديث في نفسه عامّ کما علمت، فمورده - لو سلّمنا کونه خاصّاً - لا يخرجه عن العموم؛ لأنّ المورد لا يخصّص الوارد کما هو قرّر في محلّه، ألا تري لو رأيت الجنب يمسّ آية الکرسي مثلاً، فقلت له: لا يمسّ آيات القرآن محدث، أيکون هذا خاصّاً بمورده أم عامّاً شاملاً لجميع آيات القرآن ولکلّ محدث؟ ما أظنّ أحداً يفهم کونه خاصّاً بمسّ الجنب بخصوصه لآية الکرسي بالخصوص.

ولو رأي الطبيب مريضاً يأکل التمر فنهاه عن أکل الحلو، أيکون في نظر العرف خاصّاً بمورده أم عاماً شاملاً لکلّ مصاديق الحلو؟ وهکذا حديث المنزلة بمورده في خصوص غزوة تبوک، لا يکون خاصّاً بمورده.

الوجه الثاني: أنّ الحديث لم تنحصر موارده باستخلاف عليّ علي المدينة في غزوة تبوک ليتشبّث الخصم بتخصيصه به، بل ورد الحديث في موارد اُخر بأخبار متواترة عن أئمّة العترة الطاهرة، وسنن أهل السنّة، تشهد بذلک إشارتنا إلي موارد اُخر غير غزوة تبوک مثل ورود الحديث في غزوة خيبر، وفي قصّة المؤاخاة، وغيرهما.







  1. هذا الإيراد من الکرماني في شرحه علي صحيح البخاري 245:14، وحکي الإمام شرف الدين في المراجعات: 142 هذا الإشکال عن غيره أيضاً.