في غزوة تبوك











في غزوة تبوک



لمّا أراد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الخروج إلي غزوة تبوک استخلف عليّاً عليه السلام في المدينة، وقال له: «يا عليّ، إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بک»، ولمّا علم أهل النفاق باستخلاف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً علي المدينة حسدوه لذلک، وعظم عليهم مقامه في المدينة بعد خروجه صلي الله عليه و آله، فقالوا: لم يستخلفه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إکراماً له، بل إنّما خلّفه استثقالاً له.

فلمّا بلغ أمير المؤمنين عليه السلام إرجاف المنافقين به، أراد تکذيبهم وإظهار فضيحتهم، فلحق النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: «يا رسول اللَّه، إنّ المنافقين يزعمون أنّک إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً؟».

فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: «ارجع - يا أخي - إلي مکانک، فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بک، فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، أما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».

و قال المفيد في الإرشاد: لمّا أراد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الخروج استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في أهله وولده وأزواجه ومهاجره، وقال له: «يا عليّ، إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بک».

وذلک أنّه صلي الله عليه و آله علم من خبث نيّات الأعراب وکثير من أهل مکّة ومن حولها ممّن غزاهم وسفک دماءهم، فأشفق أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها، وحصوله ببلاد الروم أو نحوها، فمتي لم يکن في المدينه من يقوم مقامه لم يؤمن من معرّتهم وإيقاع الفساد في دار الهجرة، والتخطّي إلي ما يشين أهله ومخلّفيه.

وعلم صلي الله عليه و آله أنّه لا يقوم مقامه في إرهاب العدوّ وحراسة دار الهجرة وحياطة مَن فيها إلّا أمير المؤمنين عليه السلام، فاستخلفه استخلافاً ظاهراً، ونصّ عليه بالإمامة من بعده نصّاً جليّاً؛ وذلک فيما تظاهرت به الرواية: أنّ أهل النفاق لمّا علموا باستخلاف رسول اللَّه عليّاً علي المدينة حسدوه لذلک، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروجه، وعلموا أنّها تتحرّس به، ولا يکون فيها للعدوّ مطمع فساءهم ذلک، وکانوا يؤثرون خروجه معه، لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عن المدينة، وخُلوّها من مرهوب مخوف يحرسها، وغبطوه علي الرفاهيّة والدعة بمقامه في أهله، وتکلّف من خرج منهم المشاقّ بالسفر والحضر فأرجفوا به، وقالوا: لم يستخلفه رسول اللَّه إکراماً له وإجلالاً ومودّة، وإنّما خلّفه استثقالاً له، فبهتوا بهذا الإرجاف کبهت قريش للنبيّ صلي الله عليه و آله بالجنّة تارة، وبالشعر اُخري، وبالسِّحر مرّة، وبالکهانة اُخري، وهم يعلمون ضدّ ذلک ونقيضه، کما علم المنافقون ضدّ ما أرجفوا به علي أمير المؤمنين عليه السلام وخلافه، وأنّ النبيّ صلي الله عليه و آله کان أخصّ النّاس بأمير المؤمنين، وکان هو أحبّ النّاس إليه، وأسعدهم عنده، وأفضلهم لديه. فلمّا بلغ أمير المؤمنين إرجاف المنافقين به أراد تکذيبهم وإظهار فضيحتهم، فلحق النبيّ صلي الله عليه و آله، فقال: «يا رسول اللَّه، إنّ المنافقين يزعمون أنّک إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً»، فقال له النبيّ: «ارجع يا أخي إلي مکانک، فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بک، فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، أما ترضي - يا عليّ - أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟».[1] .

وفيما يلي نذکر الروايات الواردة في هذا الباب:

1- عن ابن المغازلي الشافعي عن سعيد بن المسيّب، عن سعد بن أبي وقّاص، قال: قال النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «أقم بالمدينة». قال: فقال له عليّ عليه السلام: «يا رسول اللَّه، إنّک ما خرجت في غزاة فخلفتني»؟ فقال النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ: «إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بک، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي». قال: فقلت لسعد بن أبي وقّاص: أأنت سمعت هذا من رسول اللَّه؟ قال: نعم، لا مرّة ولا مرّتين يقول ذلک لعليّ عليه السلام.[2] .

2- و عن ابن شهر آشوب روي في قصة خروج النبيّ صلي الله عليه و آله إلي غزاة تبوک: إنّه صلي الله عليه و آله لمّا خرج من المدينة وانتهي إلي الجرف لحقه عليّ عليه السلام، وأخذ يغزر رحله، وقال: «يا رسول اللَّه، زعمت قريش إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً»، فقال صلي الله عليه و آله: «طالما آذت الاُمم أنبياءهم، أما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي؟» - الحديث.[3] .

3- وفي (صحيح البخاري) بسنده عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله خرج إلي تبوک واستخلف عليّاً عليه السلام، فقال: «أتُخلِفُني في الصبيان والنساء؟»، قال صلي الله عليه و آله: «ألا ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه ليس نبيّ بعدي؟».[4] .

4- وفي (صحيح مسلم) بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاص، قال: وخلّف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام في غزوة تبوک فقال: «يا رسول اللَّه، تخلفني في النساء والصبيان؟»، فقال: «أما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».[5] .

5- وروي ابن عساکر الشافعي، بسنده عن ابن المسيّب، عن ابن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: دخلت علي سعد، فقلت له: حديثاً حدّثته عنک حين استخلف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً عليه السلام علي المدينة؟ قال: فغضب، وقال: من حدّثک به؟ فکرهت أن اُخبره أنّ ابنه حدّثنيه، فيغضب عليه، ثمّ قال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حين خرج في غزوة تبوک استخلف عليّاً علي المدينة فقال عليّ عليه السلام: «يا رسول اللَّه، ما کنت أحبّ أن تخرج وجهاً إلّا وأنا معک»!! فقال: «أوَما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، غير أنّه لا نبيّ بعدي».[6] .

6- ورواه أيضاً، بسنده عن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد بن أبي وقّاص: أنّ عليّ بن أبي طالب خرج مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتّي إذا جاء ثنية الوداع ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله يريد تبوک وعليّ عليه السلام يبکي ويقول: «يا رسول اللَّه، تخلّفني مع الخوالف؟»، فقال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «ألا ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا النبوّة».[7] .

7- وروي ابن سعد بسنده عن أبي سعيد، قال: غزا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله غزوة تبوک وخلّف عليّاً في أهله، فقال بعض النّاس: ما منعه أن يخرج به إلّا أنّه کره صحبته، فبلغ ذلک عليّاً فذکره للنبيّ صلي الله عليه و آله فقال: «يابن أبي طالب، أما ترضي أن تنزل منّي بمنزلة هارون من موسي».[8] .

8- وروي النسائي، عن سعد بن أبي وقّاص، قال: لمّا غزا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله غزوة تبوک خلّف عليّاً عليه السلام في المدينة، قالوا فيه: ملّه وکره صحبته، فتبع عليّ عليه السلام النبيّ صلي الله عليه و آله حتّي لحقه في الطريق، قال: «يا رسول اللَّه، خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساءِ حتّي قالوا: ملّه وکره صحبته!»، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «يا عليّ، إنّما خلفتک علي أهلي، أما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، غير أنّه لا نبيّ بعدي».[9] .







  1. الإرشاد 154: 1.
  2. المناقب لابن المغازلي الشافعي: 33، ح 49.
  3. غاية المرام: 151، الباب 21 من المقصد الأوّل، ح 68.
  4. صحيح البخاري بشرح الکرماني 217:16، ح 4115، وشرح الشماعي الرفاعي 309:6، ح 857.
  5. صحيح مسلم 187:4، ح 2404، غاية المرام: 151، الباب 21 من المصدر الأوّل، ح 16.
  6. تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 284:1، ح 340، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالکي: 39.
  7. تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 326:1، ح 392.
  8. الطبقات الکبري لابن سعد 14:3.
  9. الخصائص للنسائي: 50.