امّا سند الحديث











امّا سند الحديث



لقد اعترف أکابر علماء المسلمين وثقات الرواة من الفريقين بصحّة سند هذا الحديث، بل لم يختلج في صحّة سنده ريب، ولا سنح في خاطر أحد أن يناقش في ثبوته، حتّي انّ الذهبي - علي تعنّته - صرّح في تلخيص المستدرک بصحّته، وابن حجر الهيثمي - علي محاربته بصواعقه - نقل القول بصحّته عن أئمّة الحديث الذين لا معوّل فيه إلّا عليهم.

وفي (الاستيعاب) قال: روي قوله صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي» جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحّها.

ثمّ قال: رواه عن النبيّ صلي الله عليه و آله سعد بن أبي وقّاص وطرق الحديث سعد فيه کثيرة جدّاً، قد ذکرها ابن أبي خيثمة وغيره، ورواه ابن عبّاس، وکذا أبو سعيد الخدري، واُمّ سلمة، وأسماء بنت عميس، وجابر بن عبداللَّه الأنصاري، وجماعة يطول ذکرهم.[1] .

وطرق حديث سعد کثيرة جدّاً؛ إذ رواه عن سعد ابنه إبراهيم بن سعد، وعائشة بنت سعد، ومصعب بن سعد، وسعد بن المسيّب، وأبو عبداللَّه بن سعد، وعبداللَّه بن بديل، کلّهم عن سعد بن أبي وقّاص، عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

ولولا أنّ الحديث بمثابة من الثبوت ما أخرجه البخاري في کتابه، ولولا ثبوته لما اعترف معاوية الّذي کان إمام الفئة الباغية ناصب أمير المؤمنين عليه السلام وحاربه ولعنه علي منابر المسلمين، وأمرهم بلعنه، لکنّه - بالرغم عن وقاحته في عداوته - لم يجحد حديث المنزلة ولا کابر فيه سعد بن أبي وقّاص حين قال له: ما منعک أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ما ذکرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فلن أسبّه؛ لأن تکون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حُمر النعم: سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: «يا رسول اللَّه، خلفتني مع النساء والصبيان»، فقال له رسول اللَّه: «أما ترضي أن تکون منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبوّة بعدي» - الحديث. فأبلس معاوية وکفّ عن تکليف سعد.[2] .

وأزيدک علي هذا کلّه أنّ معاوية نفسه حدّث بحديث المنزلة:

قال ابن حجر في صواعقه: أخرج أحمد أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها عليّاً فهو أعلم، قال: جوابک فيها أحبّ إليَّ من جواب عليّ، قال: بئس ما قلت: لقد کرهت رجلاً کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» - الحديث.[3] .

وبالجملة فإنّ سند حديث المنزلة ممّا لا ريب في ثبوته بإجماع المسلمين علي اختلافهم في المذاهب والمشارب، حتّي أخرجه صاحب الجمع بين الصحاح الستّة، وصاحبا لجمع بين الصحيحين من صحيح البخاري وصحيح مسلم، وسنن ابن ماجة، ومستدرک الحاکم، وأحمد بن حنبل في مسنده وغيرهم حتّي انتهت طرق العامّة إلي مائة حديث، والخاصّة إلي سبعين حديثاً، ورواه في أکثر من 105 کتب أعاظم محدّثي العامّة، وهو من الأحاديث المسلّمة في کلّ خلف من هذه الاُمّة.[4] .







  1. الاستيعاب بهامش الإصابة 34:3.
  2. صحيح مسلم 120:7، ط. دار المعرفة - بيروت، والفصول المهمّة: 126، وسنن الترمذي 596:5، ح 3724.
  3. الصواعق - المقصد الخامس من الباب 107:11.
  4. أخذنا هذا البحث من کتاب المراجعات: 139 للعلّامة شرف الدين، وأعيان الشيعة 371:1 للعلّامة السيّد محسن الأمين، وغاية المرام للمحدّث البحراني، الباب 21 من المقصد الأوّل.