ايرادات واهية علي الحديث مع جوابها











ايرادات واهية علي الحديث مع جوابها



نوقش في دلالة الخبر علي أفضليّة عليّ عليه السلام بوجوه:

الأوّل: أنّه يحتمل أن يکون أراد صلي الله عليه و آله أحبّ خلق اللَّه إليه في أکل هذا الطير لا أحبّ الخلق إليه مطلقاً؟

والجواب عنه واضح - وإن کان لوهنه ورکاکته لا يحتاج إلي الجواب، وقائله لا يستحقّ الخطاب - وهو أنّ قوله صلي الله عليه و آله: «يأکل» جواب للأمر، ولا يفهم أحد له أدني اُنس بکلام العرب منه سوي هذا المعني، فلو خصّص الحبّ بذلک (بأکل الطير) لکان تخصيصاً من غير قرينة تدلّ عليه، وبرهان يدعو إليه، ولو جعل (يأکل) قيداً للحبّ، فمع بُعده محتاج إلي تقديرٍ (في أن يأکل) وهو خلاف الأصل لا يصار إليه إلّا بدليل، علي أنّ في بعض الروايات ليس کلمة (يأکل) أصلاً، وفي بعضها (حتّي يأکل) وهما لا يحتملان ذلک.[1] .

وأجاب الشيخ المفيد عن ذلک بوجه آخر، وهو أنّه لو کان الکلام يحتمل ذلک لما کان فيه فضل، فلم يکن أنس يردّه مرّتين وعائشة تردّه مرّتين ليکون ذلک الفضل للأنصار أو لأبيها أبي بکر، ولما قرّره الرسول صلي الله عليه و آله علي ذلک.

وأيضاً لو کان محتملاً لذلک لم يکن أمير المؤمنين عليه السلام يحتجّ بذلک يوم الدار، ولا قَبِلَ الحاضرون ذلک منه، ولقالوا: إنّ ذلک لا يدلّ علي فضيلة توجب الإمامة والخلافة.[2] .

الثاني: من الايرادات أنّه يحتمل أن يکون في ذلک الوقت أحبّ الخلق وأفضلهم، فَلِمَ لا يجوز أن يصير بعض الصحابة بعد ذلک أفضل منه؟

والجواب عنه واضح أيضاً؛ لأنّ ذلک خلاف عموم اللفظ وإطلاقه، فإنّ الظاهر من اللفظ أحبّ جميع الخلق في جميع الأحوال والأزمنة، ولو کان مراده صلي الله عليه و آله غير ذلک لقيّده بشي ء منها، ولم يدلّ دليل علي خارج الکلام علي التخصيص.[3] .

وأجاب الشيخ المفيد عنه بوجهين آخرين:

أ - أنّ هذا خرق للإجماع المرکّب؛ لأنّ الاُمّة بأسرها بين قولين: إمّا تفضيله في جميع الأحوال والأوقات، أو تفضيل غيره عليه کذلک، فما ذکرت قول لم يقل به أحد.

ب - أنّ احتجاجه عليه السلام بعد الرسول صلي الله عليه و آله بذلک وتسليم القوم له ذلک ممّا يدفع هذا الاحتمال.[4] .

الثالث: وقد قالوا أيضاً: إنّ هذا الخبر من أخبار الآحاد، إنّما رواه أنس بن مالک وحده.

والجواب عنه: أوّلاً: بأنّ الاُمّة بأجمعها قد تلقّته بالقبول، ولم يرووا أنّ أحداً ردّه علي أنس، ولا أنکر صحّته عند روايته، فصار الإجماع عليه هو الحجّة في صوابه، مع أنّ التواتر قد ورد بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام احتجّ به في مناقبه يوم الشوري، فقال: «اُنشدکم باللَّه، هل فيکم أحدٌ قال له رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقک إليک يأکل معي من هذا الطائر، فجاء أحد غيري؟». قالوا: اللّهمّ لا، قال: «اللّهمّ اشهد».

فاعترف الجميع بصحّته، ولم يکن أمير المؤمنين عليه السلام ليحتجّ بباطل، لا سيّما وهو في مقام المنازعة والتوصّل بفضائله إلي أعلي المرتبة الّتي هي الإمامة والخلافة للرسول صلي الله عليه و آله، وإحاطة علمه بأنّ الحاضرين معه في الشوري يريدون الأمر بدونه، هذا مع قول النبيّ صلي الله عليه و آله في حقه عليه السلام: «عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ يدور حيثما دار».[5] .

وغير ذلک من الإيرادات علي الحديث لا نتعرّض لها رعاية للاختصار، لوضوح جوابها.







  1. بحار الأنوار 359:38.
  2. انظر الفصول المختارة 65:1.
  3. بحار الأنوار 360:38.
  4. الفصول المختارة 67:1.
  5. الفصول المختارة 65:1.