نظرة في حديث الطير و سنده











نظرة في حديث الطير و سنده



من الأخبار الّتي تدلّ علي أنّ عليّاً عليه السلام أفضل الخلق بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وأنّه أحقّ بالخلافة والإمامة بعده صلي الله عليه و آله حديث الطير، ففي (مسند أحمد بن حنبل)، و (الجمع بين الصحاح السّتة) عن أنس بن مالک، قال: کان عند النبيّ صلي الله عليه و آله طائر قد طبخ له فقال صلي الله عليه و آله: «اللّهمّ إئتني بأحبّ النّاس إليک[1] يأکل معي»، فجاء عليّ عليه السلام فأکله معه.[2] .

ودلالة الحديث صريحة علي أنّه عليه السلام أحبّ الخلق إلي اللَّه ورسوله، ولا مجال للشکّ والترديد في أنّ مقام الولاية والخلافة بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لمن کان له مثل هذا الشأن العظيم.

وأمّا سند الحديث: فإنّه بلغ حدّ التواتر، وقد رواه خمسة وثلاثون رجلاً من الصحابة، عن أنس، عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وکذا رواه البعض عن جابر، وعن سفينة مولي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وعن عبداللَّه بن عبّاس، وعن عليّ عليه السلام، کلّهم عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مع مضامين متفاوتة متقاربة المعني، وقد تلقّي الأصحاب هذا الحديث بالقبول، کما صنّف بعض أکابر المحدّثين من أهل السنّة فيه کتباً ورسائل مستقلّة، واحتجّ عليّ عليه السلام به يوم الشوري. فالحديث صحيح معتبر، لا يتردّد فيه إلّا مکابر معاند مطيع للشيطان، ونذکر هنا بعض ما نقل في صحّة سنده ونبذة من لفظ الحديث عن الفريقين.

قال ابن عساکر الشافعي حول حديث الطير: وقد ورد في ذلک آثار کثيرة مع شدّة الامتناع عن ذکر مثلها في العصور الماضية، ثمّ رواه عن جابر رضي الله عنه، وعن أمير المؤمنين عليه السلام، وعن حبر الاُمّة عبداللَّه بن عبّاس رضي الله عنه، وعن أنس بن مالک خادم النبيّ صلي الله عليه و آله، ثمّ قال: وقد تکثّرت طرقه عن أنس حتّي بلغت حدّ التواتر.[3] .

وممّا يجدر بالذِّکر أنّ هذا الحديث أيضاً ممّا أفرده بالتأليف جماعة من الحفّاظ مع کونه هادماً لکثير ممّا اعتقده شيعة آل اُميّة والمنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام. قال ابن کثير في البداية والنهاية (350:7): وهذا الحديث قد صنّف النّاس فيه، وله طرق متعدّدة - وساق الکلام إلي أن قال: - وقد جمع النّاس في هذا الحديث مصنّفات مفردة، منهم: أبو بکر بن مردويه الحافظ، وأبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان، ورأيت فيه مجلّداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر ابن جرير الطبري صاحب التاريخ والتفسير...[4] .

وذکر المحقّق الخبير العلّامة السيّد حامد حسين الموسوي الهندي في تأليفه الجيّد المسمّي بعقبات الأنوار، حديث الطير في المجلّد الرابع، وذکر أسماء رواة الحديث، وقد بلغوا (91 شخصاً)، منهم: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الکوفي، وأبو عبداللَّه أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني، وعباد بن يعقوب الرواجني وغيرهم، وعدّ 250 کتاباً من کتب العامّة نقلت الحديث.

صنّف علماء أهل السنّة في حديث الطير کتباً ورسائل اختصاصيّة تبلغ ثمانية، نذکر أسماءها مع إجمال من مشخّصات مؤلّفيها اقتباساً من (عبقات الأنوار).

الأوّل: کتاب طرق حديث الطير وألفاظه لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ (المتوفّي 310ه. ق).

الثاني: کتاب حديث الطير لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة (المتوفّي 333ه. ق).

الثالث: کتاب طرق حديث الطائر لأبي عبيداللَّه بن أحمد الأنباري (المتوفّي 356ه. ق).

الرابع: کتاب جمع طرق حديث الطير لأبي عبداللَّه الحاکم النيشابوري - المعرف بابن البيع - صاحب المستدرک (المتوفّي 407ه. ق).

الخامس: کتاب طرق حديث الطير لأبي بکر أحمد بن موسي بن مردويه الاصفهاني (المتوفّي 410ه. ق).

السادس: کتاب الطير للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصفهاني (المتوفّي 430ه. ق).

السابع: کتاب طرق حديث الطير لأبي ظاهر محمّد بن أحمد بن عليّ - المعرف بابن حمدان - (المتوفّي 441ه.ق).

الثامن: کتاب طرق حديث الطير لشمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي (المتوفّي 748ه. ق).[5] .

وقال الحافظ الذهبي في ترجمة الحاکم من کتاب (تذکرة الحفّاظ): وأمّا حديث الطير فله طرق کثيرة جدّاً، قد أفردتها بمصنّف!! ومجموعها يوجب أن يکون الحديث له أصل.[6] .

وقال العلّامة المحمودي: وهذا الاعتراف من الذهبي صدر في أيّام کان شرع في النضج، ولو بقي حتّي يبلغ تمام النضج لاعترف بکثير من الخصوصيّات الواردة في الموضوع لثقة رواته، وکثرة شواهده.[7] .

وذکر في مقدّمة (العبقات) عن (المناقب) لابن شهرآشوب تخريجات الحديث هکذا: الترمذي في (جامعه)، وأبونعيم في (حلية الأولياء)، والبلاذري في (تأريخه)، والخرکوشي في (شرف المصطفي)، والسمعاني في (فضائل الصحابة)، والطبري في (الولاية)، وابن البيع في (الصحيح)، وأبو يعلي في (المسند)، وأحمد في (الفضائل)، والنطنزي في (الاختصاص).

وقد رواه محمّد بن إسحاق، ومحمّد بن يحيي الأزدي، وسعيد، والمازني، وابن شاهين، والسدّي، وأبو بکر البيهقي، ومالک، وإسحاق بن عبداللَّه، وأبو طلحة، وعبدالملک بن عمير، ومسعر بن کهرام، وداود بن عليّ بن عبداللَّه بن عبّاس، وأبو حاتم الرازي بأسانيدهم عن أنس وابن عبّاس واُمّ أيمن.

ورواه ابن بطّة في (الإنابة) من طريقين، والخطيب أبو بکر في (تأريخ بغداد) من سبعة طرق، وقد صنّف أحمد بن محمّد بن سعيد کتاب (الطير)، وقال القاضي أحمد: قد صحّ عندي حديث الطير.

قال الشيخ: قد استدلّ به أمير المؤمنين عليه السلام علي فضله في قصّة الشوري بمحضر من أهلها، فما کان فيهم إلّا مَن عرفه وأقرّ به، والعلم بذلک کالعلم بالشوري نفسها، فصار متواتراً، وليس في الاُمّة علي اختلافها من دفع هذا الخبر.

وقد رواه خمسة وثلاثون رجلاً من الصحابة عن أنس، وعشرة عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقد صحّ أنّ اللَّه تعالي والنبيّ يحبّان عليّاً عليه السلام، وما صحّ ذلک لغيره، فيجب الاقتداء به.[8] .







  1. في بعض الأخبار: «أحبُّ النّاس إليک وإليَّ»، وسيأتي لفظه.
  2. الإحقاق 435:7، ونحوه في ينابيع المودّة: 203، وتذکرة الخواصّ: 44، وتاريخ دمشق: ج2، وسنن الترمذي 636:5، ح 3721، وخصائص النسائي: 5، وفضائل الصحابة 560:2، ح 945، المستدرک علي الصحيحين وصحّحه 130:3، ومصابيح السنّة 173:4، ح 4770، واُسد الغابة 30:4، والبداية والنهاية 363:7، وجامع الاُصول 471:9، والرياض النضرة 114:3، وذخائر العقبي: 61، وکفاية الطالب: 156 - 144، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: 46، وغيرها.
  3. تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 110 - 105: 2.
  4. هامش تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 105:2، تحقيق: العلّامة المحمودي.
  5. مقدّمة عبقات الأنوار: ج4.
  6. تذکرة الحفّاظ 1042:3.
  7. هامش تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام105:2.
  8. مقدّمة علي العبقات 15:4.