نظرة في قصة سدّ الأبواب











نظرة في قصة سدّ الأبواب



عندما هاجر الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله إلي المدينة، شرع في بناء المسجد فيها، وقد کانت هناک مجموعة من المهاجرين الذين لا يمتلکون وسائل السکني، أو داراً للسکن يعرفون بأصحاب الصُّفّة، وقد اتّخذوا من مسجد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مقرّاً وداراً لهم، ولمّا کان المسجد يُشکِّل قاعدة الإسلام والمسلمين ورکيزتهم، فقد أمرهم الرسول الأعظم صلي الله عليه و آله أن يترکوه، وبعد ذلک اتّخذ المهاجرون والأنصار بيوتاً قرب مسجد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وجعلوا أبوابها تفتح إلي داخل المسجد، بحيث يستطيعون الذهاب والإياب من هذه الأبواب، وأن يدخلوا المسجد للعبادة، وقد کان بيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وبيت عليّ عليه السلام قرب المسجد أيضاً ويفتح بابهما إلي المسجد أيضاً، حتّي نزل جبرئيل عليه السلام علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأبلغه بسدّ کلّ الأبواب الّتي تفتح إلي المسجد، وأن يمنع الدخول والخروج منها إلّا باب الرسول صلي الله عليه و آله و باب عليّ عليه السلام.

ومن الطبيعي أنّ جماعة من الصحابة قد سألوا عن السبب، وآخرين اعترضوا علي الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله وتساءلوا ما الفرق بين عليّ عليه السلام وبين الآخرين؟

وقد أجابهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله - بعد أن حمد اللَّه وأثني عليه -: بأنّ هذا إنّما تمّ بأمر من اللَّه تعالي، وانّني لم أسدّ باباً ولم أفتح باباً إلّا بأمره جلّ وعلا.

ومن خصوصيّات هذه الحادثة أنّه ليس لأحد حقّ المرور من المسجد جُنباً إلّا رسول اللَّه وعليّ وفاطمة وأولادهم المعصومون (صلوات اللَّه عليهم)، وهذه من خصوصيّاتهم.

في (المناقب) لابن المغازلي، و(کشف الغمّة) وغيرهما بالإسناد عن حذيفة بن اُسيد الغفاري، قال: لمّا قدم أصحاب النبيّ صلي الله عليه و آله المدينة لم يکن لهم بيوتٌ يبيتُون فيها، فکانوا يَبيتون في المسجد، فقال لهم النبيّ صلي الله عليه و آله: «لا تَبيتوا في المسجد فَتَحْتَلِمُوا».

ثمّ إنّ القومَ بَنَوا بيوتاً حول المسجد وجعلوا أبوابها إلي المسجد، وإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله بعث إليهم معاذ بن جبل، فنادي أبا بکر فقال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يأمرک أن تخرج من المسجد، وتَسُدَّ بابک، فقال: سمعاً وطاعةً، فسدّ بابه وخرج من المسجد.

ثمّ أرسل إلي عمر، فقال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يأمرک أن تَسُدُّ بابَک الّذي في المسجد وتخرج منه، فقال: سمعاً وطاعةً للَّه ولرسوله، غير أنّي أرغب إلي اللَّه في خوخة في المسجد، فأبلغه معاذ ما قال عمر. ثمّ أرسل إلي عثمان وعنده رُقية، فقال: سمعاً وطاعةً، فسدّ بابه وخرج من المسجد. ثمّ أرسل إلي حمزة فسَدّ بابَه وقال: سمعاً وطاعةً للَّه ولرسوله.

وعليّ عليه السلام علي ذلک يتردّد لا يدري أهو فيمن يُقيم أو فيمن يخرج، وکان النبيّ صلي الله عليه و آله قد بني له بيتاً في المسجد بين أبياته، فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله: «اسکن طاهراً مطهّراً»، فبلغ حمزة قول النبيّ صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام فقال: يا محمّد، تُخرجنا وتُمْسِک غِلمان بني عبد المطّلب؟ فقال له نبيُّ اللَّه»: «لا، لو کان الأمر لي ما جعلتُ من دونکم من أحد، واللَّه ما أعطاه إيّاه إلّا اللَّه، وإنّک لعلي خير من اللَّه ورسوله أبْشِر»، فبَشَّره النبيّ صلي الله عليه و آله فَقُتل يوم اُحد شهيداً. ونفس[1] ذلک رجال علي عليّ عليه السلام فوجدوا في أنفسهم وتبيّن فضلُه عليهم، وعلي غيرهم من أصحاب النبيّ صلي الله عليه و آله، فبلغ ذلک النبيُّ صلي الله عليه و آله فقام خطيباً، فقال: «إنّ رجالاً لا يجدون في أنفسهم في أنّي أسکنتُ عليّاً في المسجد، واللَّه ما أخرجتُهم ولا أسکنتُه، إنّ اللَّه عزّ وجلّ أوحي إلي موسي وأخيه: «أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِکُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَکُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ»[2] وأمر موسي أن لا يسکن مسجدَه ولا يَنکح فيه، ولا يدخله إلّا هارون وذرّيّته، وإنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسي، وهو أخي دونَ أهلي، ولا يَحلّ مسجدي لأحدٍ ينکح فيه النساء إلّا عليّ وذرّيّته، فمن ساءه فهاهنا»، وأومأ بيده إلي الشام.[3] .

وفي التفسير المنسوب إلي الإمام العسکري عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لمّا بني مسجده بالمدينة وأشرع بابه وأشرع المهاجرون والأنصار أبوابهم، أراد اللَّه عزّ وجلّ إبانة محمّد وآله الأفضلين بالفضيلة، فنزل جبرئيل عليه السلام عن اللَّه بأن سدّوا الأبواب عن مسجد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قبل أن ينزل بکم العذاب.

فأوّل مَن بعث إليه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يأمره بسدّ الأبواب العبّاس بن عبدالمطّلب، فقال: سمعاً وطاعةً للَّه ولرسوله، وکان الرسول معاذ بن جبل.

ثمّ مرّ العبّاس بفاطمة (سلام اللَّه عليها) فرآها قاعدة علي بابها، وقد أقعدت الحسن والحسين عليهماالسلام فقال لها: ما بالکِ قاعدة؟ انظروا إليها کأنّها لبوة[4] بين يديها جرواها[5] تظنّ أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يُخرج عمّه ويدخل ابن عمّه.

فمرّ بهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقال لها: ما بالکِ قاعدة؟ قالت: أنتظر أمر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بسدّ الأبواب، فقال لها: إنّ اللَّه تعالي أمرهم بسدّ الأبواب، واستثني منهم رسوله، وأنتم نفس رسول اللَّه.

ثمّ إنّ عمر بن الخطّاب جاء فقال: إنّي اُحبّ النظر إليک - يا رسول اللَّه - إذا مررت إلي مصلّاک، فاذن لي في فرجة[6] أنظر إليک منها! فقال صلي الله عليه و آله: قد أبي اللَّه ذلک. قال: فمقدار ما أضع عليه وجهي؟ قال: قد أبي اللَّه ذلک. قال: فمقدار ما أضع عليه إحدي عيني؟ قال صلي الله عليه و آله: قد أبي اللَّه ذلک، ولو قلتَ: قدر طرف إبرة، لم آذن لک، والّذي نفسي بيده ما أنا أخرجتکم ولا أدخلتهم ولکنّ اللَّه أدخلَهم وأخرجکم.

ثمّ قال: لا ينبغي لأحدٍ يؤمن باللَّه واليوم الآخر أن يبيت في هذا المسجد جنباً إلّا محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والمنتجبون من آلهم، الطيّبون من أولادهم».

قال الإمام عليه السلام: «فأمّا المؤمنون فقد رضوا وسلّموا، وأمّا المنافقون فاغتاظوا لذلک وأنفوا، ومشي بعضُهم إلي بعض يقولون (فيما بينهم): ألا ترون محمّداً لا يَزال يخصّ بالفضائل ابن عمّه ليخرجنا منها صفراً، واللَّه لئن أنفذنا له في حياته لنأبينّ عليه بعد وفاته!»[7] - الحديث.







  1. نفس الشي ء علي الرجل: حسده عليه.
  2. سورة يونس: 87.
  3. المناقب لابن المغازلي: 253، ح 303، وکشف الغمّة - باب المناقب 451:1، وبحار الأنوار 31:39.
  4. اللبوة: اُنثي الأسد.
  5. الجرو: ولد الأسد.
  6. وفي بحار الأنوار: «في خوخةٍ».
  7. التفسير المنسوب إلي الإمام العسکري عليه السلام: 17.