السرّ في الوصيّة بالحديث











السرّ في الوصيّة بالحديث



و نذکر بعون اللَّه تعالي في ختام هذا الفصل ما يستفاد من الحديث في السرّ في الوصية به، لعلّ السرّ في هذه الوصيّة والاقتران بالقرآن إيجاب محبّتهم لقوله تعالي: «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»[1] فإنّه تعالي جعل شکر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطاً بمحبّتهم علي سبيل الحصر، وکأنّه يوصي الاُمّة بإقامة الشکر، والتحذير من الکفران، فمن قام بالوصيّة وشکر تلک الصنيعة بحسن الخلافة بينهما لن يفترقا، فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتّي يردا الحوض، فيشکرا صنيعه عند رسول اللَّه، فحينئذٍ هو بنفسه يکافئه، واللَّه يجازيه الجزاء الأوفي، ومن أضاع الوصيّة وکفر النعمة فحکمه بالعکس.

وعلي هذا التأويل حسن موقع قوله صلي الله عليه و آله: «انظروا کيف تخلفوني فيهما»، والنظر بمعني التأمّل والتفکّر، أي تفکّروا واستعملوا الرويّة في استخلافي إيّاکم هل تکونون خلف صدق أو خلف سوء.[2] وقد حرص الرسول صلي الله عليه و آله علي الوصيّة بهذا الحديث والتأکيد عليه في مناسبات عدّة لما فيه من الدلالات الکثيرة، فهو ويدلّ الحديث علي عصمة أهل البيت، وأنّ کلامهم من اللَّه تعالي، ولو لم يکونوا معصومين لم يکونوا کذلک، وإنّهم لن يفارقوا القرآن، ولن يفارقهم مدّة عمر الدنيا، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم.

ويدلّ علي عدم جواز مفارقتهم بالتقدّم عليهم بجعل المرء نفسه إماماً لهم، و التخلّف عنهم، والائتمام بغيرهم، کما لا يجوز التقدّم علي القرآن بالإفتاء بغير ما فيه، أو التخلّف عنه باتّباع أقوال مخالفيه.

ويدلّ علي أسبقيتهم بالعلم لتأکيده علي عدم جواز تعليمهم وردّ أقوالهم، ولو کانوا يجهلون شيئاً لوجب تعليمهم، ولم ينه عن ردّ قولهم، ودلّت هذه الأحاديث أيضاً علي أنّ منهم من هذه صفته في کلّ عصر وزمان بدليل قوله صلي الله عليه و آله: «إنّهما لن يفترقا حتّي يردا علَيّ الحوض، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني بذلک»، ورود الحوض کناية عن انقضاء عمر الدنيا، فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق أنّهما «لن يفترقا حتّي يردا علَيّ الحوض»، وهو کما مرّ الکلام فيه من أقوي الحجج علي وجود إمام العصر الغائب المنتظر لإقامة دولة العدل وتقويض اُسس الجور والظلم.

اللّهمّ اجعلنا من المتمسّکين بالقرآن والعترة الطاهرة المطهّرة، والعاملين بالقرآن وبأوامرهم الّتي هي أوامر اللَّه تعالي، والانتهاء عن نواههيهم الّتي هي نواهي اللَّه تعالي.







  1. سورة الشوري: 23.
  2. عبقات الأنوار 493:2، من المجلّد 12، ط. اصفهان.