حديث الثقلين وإنّ ظلم أحدهما ظلم للآخر











حديث الثقلين وإنّ ظلم أحدهما ظلم للآخر



يستفاد من حديث الثقلين من قوله صلي الله عليه و آله: «لن يفترقا حتّي يردا علَيّ الحوض»، أنّ ما يجري علي أحد الثقلين بعد النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله سيجري علي الآخر، فإذا هجر القرآن هجرت العترة أيضاً، وإذا هجرت العترة هجر القرآن، وإذا ظلم أحدهما ظلم الآخر حتّي يردا علي النبيّ صلي الله عليه و آله الحوض يوم القيامة.

ليس الأمر أنّ العترة إن ظلمت فسيقتصر الظلم عليها، بل إنّهما توأمان متلازمان، وکما قال النبيّ صلي الله عليه و آله فلا ينبغي التفريق بينهما، فإذا ما ترک جماعة العترة وراء ظهورهم، فإنّهم يکونون قد أدبروا عن القرآن أيضاً، وإذا ظلموا العترة فإنّهم قد ظلموا القرآن أيضاً، وقد أخطأوا حيث قالوا: نعمل بکتاب اللَّه، فإنّهم إن لم يطيعوا العترة لم يطيعوا القرآن.

وقد تجلّت هذه الحقيقة بعد النبيّ صلي الله عليه و آله بوضوح، وخاصّة بعد أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّ الحکومات الّتي تظاهرت بالإسلام والطواغيت عبدة الدنيا والجاه قد عزلوا العترة الطاهرة - وهم مفسّرو ومبيّنو الحقائق الربّانيّة وأسرار الکتاب السماوي، الذين تلقّوا هذا العلم والتفسير من النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله - عن المجتمع، وفرّقوا بين هذا الثقل الأصغر وبين الثقل الأکبر، ألا وهو القرآن الکريم، کما عزلوهم عن کلّ شي ء في العالم، وإذا استثنينا السنوات الّتي تصدّي فيها عليّ عليه السلام للحکومة فإنّه لم يکن لعترة النبيّ صلي الله عليه و آله دور يذکر في القيادة السياسيّة، ولم يکتفوا بذلک، بل أنزلوا بهم المظالم وارتکبوا في حقّهم الجنايات الّتي يخجل القلم أن يسجّلها، وتدمع العيون لها، وتحترق القلوب لألمها، کلّ ذلک والحکومة قد سلکت مسلک الفساد والطغيان والهجوم والتعدّي بحجّة أنّ القرآن محکم.

غير أنّ الظلم الّذي أنزلوه بالعترة قد نال الثقل الأکبر - أي القرآن - تلقائياً، فإنّهم قد هجروا القرآن الّذي هو کتاب بناء وحياة وعمل، فلمّا هجروا العترة هجروا القرآن أيضاً، وأضحي لا يقرأ إلّا علي القبور ومجالس العزاء الّتي تقام علي الموتي، وأصبح يربط بأيدي الرياضيّين، وتمهر به النساء، وأخيراً فإنّ القرآن الّذي کان سبباً لوحدة المجتمع اتّخذه الجناة آلة لإيجاد الفرقة، فأضاعوا دنيا النّاس وآخرتهم.

والحقّ أنّ هجران القرآن قد نشأ عن هجران العترة والثقل الأصغر، وبالرغم من أنّ القرآن يطبع ظاهريّاً، وقد عمّت مظاهر القرآن ونسخه أرجاء الدنيا، أمّا في المجال العملي فإنّ الشي ء الّذي ليس له أثر الحکم والتنفيذ هو القرآن والقرآن فقط.

نعم، إنّ هاتين الجوهرتين النفيستين متلازمتان، وإذا فصلت إحداهما، فإنّ الثانية لا بدّ أن تتعطّل، وسيکون الظلم شاملاً للاثنتين معاً، کما ورد في وصيّة عليّ عليه السلام لکميل، قال: «قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: معاشر النّاس، أمرني جبرئيل عن اللَّه عزّوجلّ ربّي وربّکم أن اُعلمکم أنّ القرآن هو الثقل الأکبر، وأنّ وصيّي هذا - وأشار إلي عليّ عليه السلام - وابناي ومَن خلفهم من أصلابهم، هم الثقل الأصغر يشهد الثقل الأکبر بالثقل الأصغر، ويشهد الثقل الأصغر بالثقل الأکبر، کلّ واحد منهما ملازم لصاحبه غير مقارن له حتّي يردا علي اللَّه فيحکم بينهما وبين الخلق».[1] .

إنّنا نشکر اللَّه تعالي أنّ مَنّ علينا بالعمل بالقرآن واتّباع عترة آل محمّد (صلوات اللَّه عليهم أجمعين)، وندعو اللَّه أن يجعلنا من العاملين الحقيقيّين بالقرآن، ومن المتّبعين بحقّ للمعصومين عليهم السلام.[2] .







  1. سفينة البحار 132:1، مادة (ثقل).
  2. اقتباس من الوصيّة السياسيّة الإلهيّة للإمام الخميني قدس سره.