مخالفة العترة كمخالفة القرآن هي كفر وضلال











مخالفة العترة کمخالفة القرآن هي کفر وضلال



لدينا قاعدة تقول: حکم الشي ء حکم لملازمه، ومن الاُمور المسلّمة في الإسلام، والّتي تتّفق فيها جميع الفِرق الإسلاميّة أنّ مخالفة القرآن حرام وعصيان، وتترتّب عليها عقوبة أبديّة، وکلّ من يرتکب هذه المعصية فهو في حکم الکافر والمرتدّ. وقد أزاح نبيّ الإسلام صلي الله عليه و آله الستار عن هذا السرّ والحقيقة من خلال حديث الثقلين، فهو يقول للمسلمين کناية: إنّ مخالفة أهل البيت کفر وضلال تترتّب عليها عقوبة أبديّة؛ وذلک لأنّ العترة عِدل القرآن، ويقف أهل البيت في صفّ واحد مع القرآن.

ولم يکن حديث الثقلين مختصّاً بزمان ومکان محدّدين، وإنّما کان للجميع وإلي يوم القيامة، وبيّن النبيّ صلي الله عليه و آله حقيقة التلازم بينهما، ولذلک فإنّ اُولئک الذين قالوا: حسبنا کتاب اللَّه، واستناداً إلي هذا الحديث الشريف المتواتر کفّار ضالّون، وهم في العذاب الأليم خالدون، وکذلک الذين يقولون: حسبنا العترة، فإنّهم ضالّون، وفي العذاب خالدون، ولهذا جهد النبيّ صلي الله عليه و آله في آخر لحظات عمره إلي تأکيد وجوب التمسّک بالعترة عندما طلب کتفاً ودواة ليثبت هذا الحديث، أو خصوص الوصيّة بالخلافة لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام کتابةً هذه المرّة وليبلّغه المسلمين، ولمّا تنبيّه بعض الحاضرين إلي ما يريده النبيّ لم يحترم قدسيّته، وتکلّم بکلام نابٍ، فتأثّر النبيّ وغصب لذلک وأخرجهم من داره، وقد صرّحت بعض الروايات بأنّ المتکلّم کان عمر بن الخطّاب.

ففي (صحيح البخاري) بسنده عن ابن عبّاس، قال: لمّا حُضر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وفي البيت رجال، فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «هلمّوا أکتب لکم کتاباً لا تضلّوا بعده»، فقال بعضهم: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد غلبه الوجع، وعندکم القرآن، حسبنا کتاب اللَّه، فاختلف أهل البيت واختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يکتب لکم کتاباً لا تضلّوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلک، فلمّا أکثروا اللغو والاختلاف قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «قوموا».

قال عبيداللَّه: فکان يقول ابن عبّاس: إنّ الرزية کلّ الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وبين أن يکتب لهم ذلک الکتاب لاختلافهم ولغطهم.[1] .

و روي الصدوق بسنده عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: «قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله - في حديث -: ولا بدّ للمسافر من زاد، فمن لم يتزوّد وسافر عطب وهلک، وخير الزاد التقوي، ثمّ اذکروا وقوفکم بين يدي اللَّه جلّ جلاله، فإنّه الحکم العدل، واستعدّوا لجوابه إذا سألکم، فإنّه لا بدّ سائلکم عمّا عملتم بالثقلين من بعدي: کتاب اللَّه، وعترتي، فانظروا أن لا تقولوا: أمّا الکتاب فغيّرنا وحرّفنا، وأمّا العترة ففارقنا وقتلنا، فعند ذلک لا يکون جزاؤکم إلّا النّار، فمن أراد منکم أن يتخلّص من هول ذلک اليوم فليتولّ وليّي، وليتّبع وصيّي وخليفتي من بعدي عليّ بن أبي طالب، فإنّه صاحب حوضي يذود عنه أعداءه ويسقي أولياءه، فمن لم يسبق منه لم يزل عطشاناً، ولم يروَ أبداً، ومن سُقي منه شربة لم يشق ولم يظمأ أبداً، وإنّ عليّ بن أبي طالب لصاحب لوائي في الآخرة کما کان صاحب لوائي في الدنيا، وإنّه أوّل من يدخل الجنّة؛ لأنّه يقدمني وبيده لوائي تحته آدم ومن دونه من الأنبياء».[2] .

وروي العلّامة الخوارزمي بسنده عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: «لمّا ثقل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في مرضه والبيت غاصٌّ بمن فيه، قال: ادعو لي الحسن والحسين؟ فجاءا، ثمّ قال: أيّها النّاس، قد خلّفت فيکم کتاب اللَّه وسنّتي وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لکتاب اللَّه تعالي کالمضيّع لسنّتي، والمضيّع لسنّتي کالمضيّع لعترتي، أما أنّ ذلک لن يفترقا حتّي اللقاء علي الحوض».[3] .

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي ذيل الآية الشريفة: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ» إلي قوله: «وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».[4] .

قال: حدّثني أبي، عن صفوان بن يحيي، عن أبي الجارود، عن عمران بن هيثم، عن مالک بن ضمرة، عن أبي ذرّ رحمه الله، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «ترد عليّ اُمّتي يوم القيامة علي خمس رايات:

الأوّل: فراية مع عجل هذه الاُمّة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأکبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه، فأقول: ردوا النّار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهکم.

الثاني: ثمّ ترد علَيّ راية مع فرعون هذه الافمّة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأکبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه، وأمّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه، فأقول: ردوا النّار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهکم.

الثالث: ثمّ ترد علَيّ راية مع سامري هذه الاُمّة فأقول لکم: ما فعلتم بالثقلين بعدي؟ فيقولون: أمّا الأکبر فعصيناه وترکناه، وأمّا الأصغر فخذلناه وضيّعناه، وصنعنا به کلّ قبيح، فأقول: ردوا النّار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهکم.

الرابع: ثمّ ترد علَيّ راية ذي الثدية مع أوّل الخوارج وآخرهم؟ فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأکبر ففرّقناه ومزّقناه وبرئنا منه، وأمّا الأصغر فقاتلناه وقتلناه. فأقول: ردوا النّار ظماءً مظمئين مسودّة وجوهکم.

و الخامس: ثمّ ترد علَيّ راية مع إمام المتّقين، وسيّد الوصيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، ووصيّ رسول ربّ العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأکبر فاتّبعناه وأطعناه، وأمّا الأصغر فأحببناه وواليناه ووازرناه ونصرناه حتّي اُهرقت فيهم دماؤنا، فأقول: ردوا الجنّة رواءً مرويّين مبيضّة وجوهکم».

ثمّ تلا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّت وُجُوهُهُمْ أَکَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِکُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا کُنتُمْ تَکْفُرُونَ × وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».[5] .







  1. صحيح البخاري بشرح الکرماني 235:16.
  2. أمالي الصدوق - المجلس السابع والأربعون: رقم 9.
  3. مقتل الحسين للخوارزمي: 114.
  4. سورة آل عمران: 106 و 107.
  5. تفسير عليّ بن إبراهيم 109:1.