حديث الثقلين وبقاء الحجّة الإلهيّة إلي يوم القيامة











حديث الثقلين وبقاء الحجّة الإلهيّة إلي يوم القيامة



إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله هادٍ ومرشد للنّاس کافّة، ليس في عصره وحسب، وإنّما هو کذلک إلي يوم القيامة، فلم يُبعَث نبيّ الإسلام لجماعة خاصّة ومکان خاصّ ومدينة معيّنة، وإنّما جاء لجميع البشر وفي جميع الأعصار إلي انقراض البشرية «لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ». ومن الطبيعي أن يموت النبيّ، فلا بدّ أن يعرِّف الناسَ بما يضمن بقاء الإسلام المحمّدي من بعده لئلّا يضلّوا؛ لقوله صلي الله عليه و آله: «إنّ الأرض لا تخلو من قائم للَّه بحجّة»، والّذي يضمن بقاء الرسالة المحمّدية هو القرآن والعترة، فالقرآن هو کتاب القانون، والعترة هم المنفّذون له، والمبيّنون أحکامه، والمفسّرون غوامضه.

وهذان الاثنان معاً هما خليفة رسول اللَّه من بعده، ولذلک فإنّ النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله يشير إلي هذه الحقيقة حتّي في آخر لحظات عمره الشريف، ويبيّن للنّاس بأنّ القرآن والعترة بين أظهرکم من بعدي، فتمسّکوا بهما ولا تتفرّقوا عنهما فتضلّوا.

والطريف أنّه قد استبدلت کلمة الثقلين بکلمة خليفتين في بعض ما ورد عن العامّة، وعليه فإنّ کلّ من يدّعي خلافة النبيّ فهو غاصب، فعن زيد بن ثابت، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إنّي تارک فيکم خليفتين: کتاب اللَّه؛ حبل ممدود ما بين السماء والأرض - أو ما بين السماء إلي الأرض - وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّي يردا علَيّ الحوض».[1] .

ونري النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله في بعض الأحيان يولي تعريف شخص عليّ عليه السلام اهتماماً خاصّاً أثناء بيانه لحديث الثقلين؛ لأنّه يعلم بأنّ القوم إذا ما فرّقوا بين عليّ والقرآن، وجعلوا عليّاً جليس داره، وتربّع الآخرون علي کرسي السلطة، فإنّ الکثير من المسلمين سينحرفون، وإلي الأبد، ولا يصلون إلي الحقّ والحقيقة، ولن يدع الکائدون وعبّاد الدنيا الحقّ يظهر جليّاً، ولذلک اهتمّ النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله بتعريف عليّ عليه السلام في حديث الثقلين و في غيره.

وفي (أمالي المفيد) عن عبداللَّه بن عبّاس، قال: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام والعبّاس بن عبدالمطّلب والفضل بن العبّاس دخلوا علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في مرضه الّذي قُبض فيه، فقالوا: يا رسول اللَّه، هذه الأنصار في المسجد تبکي رجالها ونساؤها عليک. فقال: «وما يبکيهم»؟ قالوا: يخافون أن تموت، فقال صلي الله عليه و آله: «أعطوني أيديکم»، فخرج في ملحفة وعصابة حتّي جلس علي المنبر، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: «أمّا بعد أيّها النّاس، فما تنکرون من موت نبيّکم؟ ألم أنع[2] إليکم، وتنع إليکم أنفسکم؟ لو خلّد أحد قبلي ثمّ بعث إليه لخلّدت فيکم، ألا إنّي لاحق بربّي، وقد ترکت فيکم ما إن تمسّکتم به لن تضلّوا: کتاب اللَّه تعالي بين أظهرکم، تقرؤونه صباحاً ومساءً، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وکونوا إخواناً کما أمرکم اللَّه، وقد خلّفت فيکم عترتي أهل بيتي وأنا اُوصيکم بهم، ثمّ اُوصيکم بهذا الحيّ من الأنصار، فقد عرفتم بلاءهم عند اللَّه عزّ وجلّ وعند رسوله وعند المؤمنين، ألم يوسّعوا في الديار، ويشاطروا الثمار، ويؤثروا وبهم الخصاصة؟ فمن ولي منکم أمراً يضرّ فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسن الأنصار، وليتجاوز عن مسيئهم» وکان آخر مجلس حتّي لقي اللَّه عزّ وجلّ.[3] .







  1. مسند أحمد بن حنبل 185:5، وفي تفسير (الدرّ المنثور 60:2) أخرج الحديث بسنده عن زيد بن ثابت بعين ما تقدّم.
  2. نعي لنا فلاناً بناءً للفاعل: أخبرنا بوفاته.
  3. أمالي المفيد: 45.