نظرة في حديث الثقلين











نظرة في حديث الثقلين



إنّ من جملة الأحاديث المعتبرة الّتي رويت عن النبيّ الأکرم صلي الله عليه و آله في فضل عليّ وعترته الطاهرة، هو حديث الثقلين الّذي حدّث به النبيّ صلي الله عليه و آله في آخر سنة من سنّي عمره الشريف في مواضع عدّة، اجتمع فيها خلق کثير من النّاس، وفي مناسبات هامّة تکتظّ بالناس عادة، فقد قاله في عرفة، وفي مسجد الخيف بمني، وفي غدير خمّ، وفي أواخر أيّام عمره المبارک، وفي مرضه الّذي توفّي فيه، في کلّ هذه الموارد کان النبيّ صلي الله عليه و آله يلفت أنظار الناس ويوجّه اهتمامهم نحو جوهرتين ثمينتين، هما: القرآن، والعترة.

وحتّي في آخر لحظات حياته، حيث أوشک علي مفارقة الدنيا، وحيث يکون النّاس عادة أکثر اهتماماً بما يقوله قائدهم وزعيمهم ويصغون بکلّ أعماقهم لکلماته فإنّه قال: «إنّي اُوشک أن اُدعي فاُجيب، وإنّي تارک فيکم الثقلين: کتاب اللَّه، وعترتي، کتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلي الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليَّ الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما».[1] .

لقد روي هذا الحديث عن النبيّ صلي الله عليه و آله متواتراً من طرق الفريقين، وقد تعرّض له أرباب الصحاح والسنن والمسانيد[2] ففي هذا الحديث جعل رسول اللَّه التمسّک بأهل البيت والإلتزام بأقوالهم واعتبارها حجّة في اُصول الدين وفروعه عِدل الکتاب، فکما أنّ القرآن الکريم حجّة علي الجميع ويجب التمسّک به فإنّ النبيّ صلي الله عليه و آله جعل العترة الطاهرة عِدل القرآن ليعلم الناس أنّ التمسّک بأقوالهم وأفعالهم واجب عليهم.

ففي صحيح مسلم في حديث الغدير عن زيد بن أرقم، عن النبيّ صلي الله عليه و آله: «أيّها النّاس، إنّما أنا بشر يوشک أن يأتي رسول ربّي فاُجيب، وأنا تارک فيکم ثقلين: أوّلهما کتاب اللَّه فيه الهدي والنور، فخذوا بکتاب اللَّه واستمسکوا به - فحثّ علي کتاب اللَّه، ورغّب فيه، ثمّ قال: - وأهل بيتي، اُذکّرکم اللَّه في أهل بيتي، اُذکّرکم اللَّه في أهل بيتي، اُذکّرکم اللَّه في أهل بيتي».[3] .

وروي الحاکم النيشابوري في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام، عن زيد بن أرقم، عن النبيّ صلي الله عليه و آله نحوه.[4] .

وواضح أنّ التمسّک بالکتاب هو الأخذ بما فيه، والتمسّک بالعترة هو الأخذ بأقوالهم وسنّتهم، فأقوالهم وسنّتهم حجّة شرعيّة إلهيّة، فعلي الاُمّة الإسلاميّة التمسّک بالعترة الطاهرة في الأعمال والأقوال، ولا أظنّ أنّ أحداً يجرؤ علي القول بأنّ قول أئمّة المذاهب الأربعة مقدّم علي قول الأئمّة الطاهرين الذين هم سفن نجاة الاُمّة، وباب حطّتها، وأعلام هدايتها، وباب علم النبيّ؛ ولذلک قال النبيّ صلي الله عليه و آله في شأن الکتاب العزيز والعترة الطاهرة: «فلا تقدموهما فتهلکوا، ولا تعلّموهما فإنّهما أعلم منکم».[5] .

وفي (نهج البلاغة): «لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلي الله عليه و آله مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ، وَلا يُسَوَّي بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمَادُ اليَقِينِ. إِلَيْهمْ يَفِي ءُ الغَالِي، وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالي. وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الوَصِيَّةُ وَالوِرَاثَةُ، الْآنَ إِذْ رَجَعَ الحَقُّ إِلَي أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إِلَي مُنْتَقَلِهِ...».[6] .

ونحن نرجو من إخوتنا أبناء العامّة أن يمعنوا النظر أکثر في هذه الروايات، وأن يقفوا علي عقيدة الشيعة وأدلّتهم بقلوب بعيدة عن التعصّب، وليعلموا أنّ طريق السعادة هو طريق عترة النبيّ لا غير، ولذلک ورد في روايات کثيرة أنّ عليّاً عليه السلام وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.







  1. مسند أحمد بن حنبل 17:2، والمناقب لابن المغازلي الشافعي: 235، ح281.
  2. راجع: سنن الترمذي 662:5، ح 3786، مصابيح السنّة 185:4، ح 4800، مسند أحمد 14:3، سنن الدارمي 432:2، فضائل الصحابة 603:2، ح 1035، الخصائص للنسائي: 21، السيرة الحلبيّة 336:3، تفسير الرازي 163:8، تاريخ اليعقوبي 112:2، تفسير ابن کثير 122:4، العقد الفريد 126:4، تاريخ ابن عساکر 36:2، ح 536، مجمع الزوائد 163:9، الجامع الصغير 244:1، ح 1608، الصواعق المحرقة: باب11، فصل 1، ص149، خصائص السيوطي 466:2، ذخائر العقبي: 16 وغيرها من مصادر الحديث والمناقب.
  3. صحيح مسلم 122:7، طبع دار المعرفة - بيروت.
  4. مستدرک الحاکم 109:3.
  5. تفسير الدرّ المنثور 60:2.
  6. نهج البلاغة الخطبة 2.