منها ما جري بينه وبين النبي في الشِّعب











منها ما جري بينه وبين النبي في الشِّعب



وفي (المناقب) و(البحار) عن عکرمة، وعروة ابن الزبير، رأت قريش أنّه يفشو أمره في القبائل، وأنّ حمزة أسلم، وأنّ عمرو بن العاص رُدّ في حاجته عند النجاشي، فأجمعوا أمرهم ومکرهم علي أن يقتلوا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله علانية؟! فلمّا رأي ذلک أبو طالب جمع بني عبدالمطّلب، فأجمع لهم أمرهم علي أن يدخلوا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله شِعبهم، فاجتمع قريش في دار الندوة، وکتبوا صحيفة علي بني هاشم أن لا يکلّموهم ولا يزوّجوهم ولا يتزوّجوا إليهم ولا يبايعوهم، أو يسلّموا إليهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وختم عليها أربعين خاتماً، وعلّقوها في جوف الکعبة (في رواية زمعة بن الأسود)، فجمع أبو طالب بني هاشم وبني عبدالمطّلب في شِعبه، وکانوا أربعين رجلاً مؤمنهم وکافرهم، ما خلا أبا لهب وأبا سفيان فظاهرهم عليه، فحلف أبو طالب لئن شاکت محمّداً شوکة لآتينّ عليکم يا بني هاشم، وحصّن الشِّعب، وکان يحرسه بالليل والنهار.[1] .

و في البحار ايضاً: وکان النبيّ إذا أخذ مضجعه في الشعب ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه، وأضجع عليّاً عليه السلام مکانه، ووکّل عليه ولده وولد أخيه، فقال عليّ: «يا أبتاه، إنّي مقتول ذات ليلة؟»، فقال أبو طالب:


اصبرن يا بُنيّ فالصبر أحجي
کلّ حيّ مصيره لشعوب


قد بلوناک والبلاء شديد
لفداء النجيب وابن النجيب


لفداء الأعزّ ذي الحسب الثا
قب والباع والفناء الرحيب


فقال عليّ عليه السلام:


«أتأمرني بالصبر في نصر أحمد
فواللَّه ما قلت الّذي قلت جازعا


ولکنّني أحببت أن ترَ نصرتي
وتعلم أنّي لم أزل لک طائعا


وسعيي لوجه اللَّه في نصر أحمد
نبيّ الهُدي المحمود طفلاً ويافعاً»[2] .


فأيّ دليل أقوي من هذا علي إيمان أبي طالب؟!

و فيه ايضاً عن کتاب شرف المصطفي، أنّه حينما بعث اللَّه علي صحيفتهم - الّتي کتبها الکفّار وختموها وعلّقوها في البيت - الأرضة[3] فلحستها[4] فنزل جبرئيل فأخبر النبيّ صلي الله عليه و آله بذلک، فأخبر النبيّ صلي الله عليه و آله أبا طالب، فدخل أبو طالب علي قريش في المسجد فعظّموه، وقالوا: أردت مواصلتنا وأن تسلّم ابن أخيک إلينا؟ قال: واللَّه، ما جئت لهذا، ولکنّ ابن أخي أخبرني ولم يکذّبني، أنّ اللَّه قد أخبره بحال صحيفتکم، فابعثوا إلي صحيفتکم فإن کان حقّاً فاتّقوا اللَّه وارجعوا عمّا أنتم عليه من الظلم وقطيعة الرحم، وإن کان باطلاً دفعته إليکم، فأتوا بها وفکّوا الخواتيم وإذا فيها «بسمک اللّهمّ» واسم «محمّد» فقط.

فقال لهم أبو طالب: اتّقوا اللَّه، وکفّوا عمّا أنتم عليه، فسکتوا وتفرّقوا، فنزلت: «ادْعُ إِلَي سَبِيلِ رَبِّکَ»[5] قال: کيف أدعوهم وقد صالحوا علي ترک الدعوة؟ فنزلت: «يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ»[6] فسأل النبيّ صلي الله عليه و آله أبا طالب الخروج من الشعب، فاجتمع سبعة نفر من قريش علي نقضها[7] وقال هؤلاء السبعة: أحرقها اللَّه، وعزموا أن يقطعوا يمين کاتبها، وهو منصور بن عکرمة بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار، فوجودها شلّاء، فقالوا: قطعها اللَّه، فأخذ النبيّ صلي الله عليه و آله في الدعوة، وفي ذلک يقول أبو طالب:


ألا هل أتي نجداً بنا صنع ربّنا
علي نأيهم واللَّه بالنّاس أرفد


فيخبرهم أنّ الصحيفة مزّقت
وأنّ کلّ ما لم يرضه اللَّه يفسد[8] .


ولا يصدر هذا الايثار والفداء إلّا ممّن آمن باللَّه وبرسوله حقّ إيمانه وصدّق بدعوته.

وفي هذا ما يکفي في الدلالة علي أنّ أبا طالب آمن برسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وإن طَرْح المعاندين لايرادات واهية للتشکيک بإيمانه، فإنّما طرحوها جهلاً وعناداً، أعاذنا اللَّه من هذا الافتراء علي أبي طالب عليه السلام.[9] .

و ممّا يؤد ذلک ما دلّ في الحديث علي - ان النار حرام علي أبي طالب عليه السلام - و في (الکافي) بسنده عن ابن فضال عن بعض رجاله، عن أبي عبداللَّه عليه السلام، قال: «نزل جبريل علي النبيّ صلي الله عليه و آله فقال: يا محمّد، إنّ ربّک يقرئک السلام، ويقول: إنّي قد حرّمت النّار علي صلب أنزلک، وبطن حملک، وحجر کفلک، فالصلب صلب أبيک عبداللَّه بن عبدالمطّلب، والبطن الّذي حملک فآمنة بنت وهب، وأمّا حجر کفلک فحجر أبي طالب».

وفي رواية ابن فضّال: وفاطمة بنت أسد.[10] .







  1. المناقب لابن شهرآشوب 63:1، بحار الأنوار 91:35.
  2. بحار الأنوار 93:35.
  3. الأرضة: دويبة تأکل الخشب ونحوه.
  4. لحس الدود الصوفَ: أکله.
  5. النحل: 125.
  6. سورة الرعد: 39.
  7. نقض ما کتب في الصحيفة من المعاهدة.
  8. بحار الأنوار 94:35.
  9. من أراد المزيد فليراجع بحار الأنوار 155:35 و 177.
  10. الکافي - باب مولد النبيّ صلي الله عليه و آله 446:1، ح21.