نظرة في لفظي السقاية والعمارة في الآية وتوضيح الآية











نظرة في لفظي السقاية والعمارة في الآية وتوضيح الآية



في (تفسير الميزان): والسقاية کالحکاية والجناية، مصدر، يقال: سقي يسقي سقاية. والسقاية أيضاً الموضع الّذي يسقي فيه الماء، والإناء الّذي يسقي به، کما في قوله تعالي: «جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخيهِ»[1] والمراد بالسقاية في الآية معناها المصدري وهو السقي، ويؤيّده مقابلتها ب «وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»، والمراد بها المعني المصدري قطعاً بمعني الشغل.

وقد قوبل في الآية سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام بمن آمن باللَّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل اللَّه، ولا معني لدعوي المساواة بين الإنسان وبين عمل من الأعمال، کالسقاية والعمارة أو نفيها، فالمعادلة والمساواة إمّا بين عمل وعمل أو بين إنسان ذي عمل وإنسان ذي عمل. ولذلک اضطرّ المفسّرون إلي القول بأنّ تقدير الکلام: أجعلتم (أهل) سقاية الحاج و (أهل) عمارة المسجد کمن آمن باللَّه واليوم الآخر، حتّي يستقيم السياق.

وأوجب منه النظر في قيود الکلام المأخوذة في الآية الکريمة، فقد أخذ في أحد الجانبين سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام وحدهما من غير أيّ قيد زائد، وفي الجانب الآخر الإيمان باللَّه واليوم الآخر، والجهاد في سبيل اللَّه، وإن شئت فقل: الجهاد في سبيل اللَّه مع اعتبار الإيمان معه.

وهو يدلّ علي أنّ المراد: السقاية والعمارة خاليتين من الإيمان، ويؤيّده قوله تعالي في ذيل الآية: «وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» علي تقدير کونه تعريضاً لأهل السقاية والعمارة، لا تعريضاً لمن يسوّي بينهما کما يتبادر من السياق.

وهذا يکشف أوّلاً عن أنّ هؤلاء الذين کانوا يسوّون بين کذا وکذا، وبين کذا، إنّما کانوا يسوّون بين عمل جاهلي خالٍ من الإيمان باللَّه واليوم الآخر، کالسقاية والعمارة من غير أن يکون عن إيمان، وبين عمل ديني عن إيمان باللَّه واليوم الآخر، کالجهاد في سبيل اللَّه، أي کانوا يسؤون بين جسد عمل لا حياة فيه، وبين عمل حيّ طيّب نفعه، فأنکره اللَّه عليهم.

وثانياً: أنّ هؤلاء المسوّين کانوا من المؤمنين، يسوّون بين عمل من غير إيمان، کان صدر عنهم قبل الإيمان، أو صدر عن مشرک غيرهم، وبين عمل صدر عن مؤمن باللَّه عن محض الإيمان حال إيمانه کما يشهد به سياق الانکار وبيان الدرجات في الآيات.

ويدلّ ذکر نفس السقاية والعمارة من غير ذکر صاحبهما، علي أنّ صاحبيهما کانا من أهل الإيمان عند التسوية، فلم يذکرا حفظاً لکرامتهما، وهما مؤمنان حين الخطاب ووقاية لهما بالنظر إلي التعريض الظاهر في آخر الآية من أن يسمّيا ظالمين.[2] .

ويؤيّد هذا المعني ما قاله السيوطي في تفسيره عن ابن عبّاس في قوله تعالي: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآية، قال: وذلک أنّ المشرکين قالوا: عمارة بيت اللَّه وقيام عن السقاية خير ممّن آمن وجاهد، فکانوا يفتخرون بالحرم ويستکبرون به من أجل أنّهم أهله وعمّاره، فذکر اللَّه استکبارهم وإعراضهم فقال لأهل الحرم من المشرکين: «قَدْ کَانَتْ آيَاتِي تُتْلَي عَلَيْکُمْ فَکُنتُمْ عَلَي أَعْقَابِکُمْ تَنکِصُون × مُسْتَکْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ»[3] يعني أنّهم کانوا يستکبرون بالحرم، وقال «بِهِ سَامِراً» کانوا به يسمرون ويهجرون بالقرآن والنبيّ صلي الله عليه و آله، فخير الإيمان باللَّه والجهاد مع نبيّ اللَّه صلي الله عليه و آله علي عمران المشرکين البيت وقيامهم علي السقاية، ولم يکن ينفعهم عند اللَّه مع الشرک به، وإن کانوا يعمرون بيته ويخدمونه. قال اللَّه تعالي: «لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»، يعني الذين زعموا أنّهم أهل العمارة، فسمّاهم ظالمين بشرکهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئاً.[4] .

وفيه أيضاً: عن ابن عبّاس، قال: قال العبّاس - حين اُسر يوم بدر - إن کنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد، لقد کنّا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاجّ ونفکّ العاني[5] فأنزل اللَّه تعالي: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآية، يعني أنّ ذلک کان في الشرک، فلا أقبل ما کان في الشرک.[6] .

وفيه أيضاً: عن ابن سيرين، قال: قدم عليّ بن أبي طالب عليه السلام مکّة، فقال للعبّاس: أي عمّ ألا تهاجر؟ ألا تلحق برسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟ فقال: أعمر المسجد الحرام وأحجب البيت، فأنزل اللَّه «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآية.[7] .







  1. سورة يوسف: 70.
  2. تفسير الميزان 210:9.
  3. سورة المؤمنون: 66 و 67.
  4. تفسير الدرّ المنثور 218:3.
  5. العاني: الأسير.
  6. تفسير الدرّ المنثور 218:3.
  7. تفسير الدرّ المنثور 218:3. ورواهما صاحب تفسير المنار 215:10 بعين ما تقدّم عن السيوطي في الدرّ المنثور.