سبب نزول الآية ودلالتها علي أفضليّة عليّ وإمامته











سبب نزول الآية ودلالتها علي أفضليّة عليّ وإمامته



من الآيات الکريمة الّتي نزلت في شأن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قوله تعالي: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ کَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»، حيث إنّ العبّاس وطلحة بن شيبة وعليّ بن أبي طالب تفاخروا، فذکر العبّاس سقاية الحاجّ، وطلحة بن شيبة عمارة المسجد وبيده مفتاح الکعبة، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام الإيمان باللَّه قبل النّاس بسنوات، والجهاد في سبيل اللَّه، فانطلقوا إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فأخبر کلّ واحد منهم بفخره فما أجابهم النبيّ صلي الله عليه و آله بشي ء، فنزل الوحي: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ» الآية، فدلّت الآية علي أنّ عليّاً عليه السلام أوْلي وأفضل منهما.

قال العلّامة التستري: الآية مع الرواية تدلّ علي أفضليّته عليه السلام، ووجه الدلالة أنّ کلّاً من العبّاس وطلحة کانا يدّعيان أولويّتهما بالبيت بالنسبة إلي غيرهم من الاُمّة، فردّ عليهما عليّ عليه السلام بأنّ الأوْلي بذلک هو عليه السلام لا غير، وصدّقه تعالي في ذلک بموجب الرواية، فيکون أوْلي بالبيت خصوصاً البيت المعنوي، ويکون أفضل من الکلّ وأوْلي بالإمامة وأبصر بما يتعلّق بالبيت، فإنّ صاحب البيت أبصر بما في البيت.[1] .

وقال العلّامة الطباطبائي: الآية وما يتلوها من الآيات تبيّن أنّ الزنة والقيمة إنّما هو للعمل إذا کان حيّاً بولوج روح الإيمان فيه، وأمّا الجسد الخالي الّذي لا روح فيه ولا حياة له فلا وزن له في ميزان الدين ولا قيمة له في سوق الحقائق، فليس للمؤمنين أن يعتبروا مجرّد هياکل الأعمال ويجعلوها ملاکات للفضل وأسباباً للقرب منه تعالي إلّا بعد اعتبار حياتها بالإيمان والخلوص.[2] .

وممّا يدلّ علي هذا الاستدلال وعلي أفضلية عليّ عليه السلام علي غيره وعلي إمامته عليه السلام أيضاً بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ما رواه العلّامة المجلسي في (البحار) عن (تفسير فرات) عن قدامة بن عبداللَّه البجلي معنعناً عن ابن عبّاس، قال: افتخر شيبة بن عبدالدار، والعبّاس بن عبدالمطّلب، فقال شيبة: في أيدينا مفاتيح الکعبة نفتحها إذا شئنا، ونغلقها إذا شئنا، فنحن خير النّاس بعد رسول اللَّه. وقال العبّاس: في أيدينا سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام، فنحن خير النّاس بعد رسول اللَّه؛ إذ مرّ عليهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فأرادا أن يفتخرا، فقالا له: يا أبا الحسن، أنخبرک بخير النّاس بعد رسول اللَّه؟ فقال شيبة: في أيدينا مفاتيح الکعبة نفتحها إذا شئنا، ونغلقها إذا شئنا، فنحن خير النّاس بعد النبيّ صلي الله عليه و آله. وقال العبّاس: في أيدينا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، فنحن خير النّاس بعد رسول اللَّه.

فقال لهما أمير المؤمنين عليه السلام: «ألا أدلّکما علي من هو خير منکما؟». قالا له: ومن هو؟ قال: «الّذي ضرب رقبتکما[3] حتّي أدخلکما في الإسلام قهراً»، قالا ومن هو؟ قال: «أنا». فقام العبّاس مغضباً حتّي أتي النبيّ صلي الله عليه و آله وأخبره بمقالة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فلم يردّ النبيّ صلي الله عليه و آله شيئاً، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد، إنّ اللَّه يقرؤک السلام ويقول لک: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ کَمَن آمَنَ بِاللَّهِ و اليوم الآخر وَ جاهَدَ في سبيل اللَّه لا يستونَ عند اللَّه و اللَّهُ لا يَهدي القَومَ الظالِمين»، فدعا النبيّ صلي الله عليه و آله العبّاس فقرأ عليه الآية، وقال: «يا عمّ، قم فاخرج، هذا الرّحمن[4] يخاصمک في عليّ بن أبي طالب».[5] .







  1. الإحقاق 128:3.
  2. تفسير الميزان 205:9.
  3. کذا في البحار، وفي تفسير فرات: «الّذي ضرب رقابکما».
  4. کذا في البحار، وفي تفسير فرات: «هذا رسول الرحمن».
  5. البحار 36:36.