ما قيل في إثبات إيمان أبي طالب منذ بداية الإسلام











ما قيل في إثبات إيمان أبي طالب منذ بداية الإسلام



نري من الأجدر والأوفق أن نذکر هنا لفظ ما ذکره السيّد المرتضي في کتاب (الفصول) عن شيخه المفيد (رضوان اللَّه عليهما) أنّه قال: ممّا يدلّ علي إيمان أبي طالب إخلاصه في الودّ لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله والنصرة له بقلبه ويده ولسانه، وأمر ولديه عليّاً وجعفراً باتّباعه، وقول رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فيه عند وفاته: «وصلتک رحم، وجزيت خيراً يا عمّ»، ثمّ أمره عليّاً خاصّة من بين أولاده الحاضرين بتغسيله وتکفينه وتوريته، دون عقيل ابنه وقد کان حاضراً، ودون طالب أيضاً، ولم يکن من أولاده من قد آمن في تلک الحال إلّا أمير المؤمنين وجعفر، وکان جعفر غائباً في بلاد الحبشة، فلم يحضر من أولاده مؤمن إلّا أمير المؤمنين عليه السلام، فأمره بتولّي أمره دون من لم يکن علي الإيمان.

ولو کان أبو طالب کافراً لما أمر ابنه المؤمن بتولية أمره، ولکان الکافر أحقّ به، مع أنّ الخبر قد ورد علي الاستفاضة بأنّ جبرئيل نزل علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عند موت أبي طالب فقال له: «يا محمّد، إنّ ربّک يقرئک السلام، ويقول لک: اخرج من مکّة فقد مات ناصرک»، وهذا يبرهن عن إيمانه لتحقّقه بنصرة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ويدلّ علي ذلک قوله لعليّ عليه السلام - حين رآه يصلّي مع رسول اللَّه -: ما هذا يا بني؟ فقال: «دين دعاني إليه ابن عمّي»، فقال له: اتّبعه، فإنّه لا يدعو إلّا إلي خير، فاعترف بصدق رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وذلک حقيقة الإيمان.

وقوله - وقد مرّ علي أمير المؤمنين ثانية وهو يصلّي عن يمين رسول اللَّه ومعه جعفر ابنه -: يا بنيّ، صِلْ جناح ابن عمّک، فصلّي جعفر معه، وتأخّر أمير المؤمنين حتّي صار هو وجعفر خلف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فجاءت الرواية بأنّها أوّل صلاة جماعة صلّيت في الإسلام، ثمّ أنشأ أبو طالب يقول:


إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي
عند ملمّ الزمان والکرب


فاعترف بنبوّة النبيّ صلي الله عليه و آله اعترافاً صريحاً في قوله: «واللَّه لا أخذل النبيّ»، ولا فصل بين أن يصف رسول اللَّه بالنبوّة في نظمه، وبين أن يقرّ بذلک في نثر کلامه، ويشهد عليه من حضره.

وممّا يدلّ علي ذلک أيضاً قوله في قصيدته اللّاميّة:


ألم تعلموا أنّ ابننا لا مکذّب
لدينا ولا يُعني بقول الأباطل


فشهد بتصديق رسول اللَّه شهادة ظاهرة لا تحتمل تأويلاً، ونفي عنه الکذب علي کلّ وجه، وهذا هو حقيقة الإيمان، ومنه قوله:


ألم يعلموا أنّ النبيّ محمّداً
رسول أمين خطّ في أوّل الکتب


وهذا إيمان لا شبهة فيه لشهادته له برسول اللَّه صلي الله عليه و آله.[1] .







  1. الفصول المختارة 231 - 228: 2، بحار الأنوار 177 - 173: 35.