ما أورده الفخر الرازي علي الاستدلال











ما أورده الفخر الرازي علي الاستدلال



بقوله:

انّ في قوله تعالي: «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ» قولان:

الأوّل: أنّ المراد عامّة المؤمنين؛ وذلک لأنّ عبادة بن الصامت لمّا تبرّأ من اليهود، وقال: أنا بري ء إلي اللَّه من حلف قريظة والنضير، وأتولّي اللَّه ورسوله، نزلت هذه الآية علي وفق قوله. ثمّ قال: وروي أيضاً أنّ عبداللَّه بن سلام، قال: يا رسول اللَّه، إنّ قومنا قد هجرونا، وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابک لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال: رضينا باللَّه ورسوله وبالمؤمنين أولياء، فعلي هذا الآية عامّة في حقّ کلّ المؤمنين، فکلّ من کان مؤمناً فهو وليّ کلّ المؤمنين، إلي آخره.[1] .

و ثانياً: أنّ المراد من هذه الآية شخص معيّن، وفي هذا جملة أقوال: منها: روي عکرمة: أنّ هذه الآية نزلت في أبي بکر، ومنها: روي عطاء، عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

رُوي أنّ عبداللَّه بن سلام قال: لمّا نزلت هذه الآية قلت: يا رسول اللَّه، أنا رأيت عليّاً تصدّق بخاتمه علي محتاج وهو راکع فنحن نتولّاه، وروي حديث أبي ذرّ الّذي قدّمناه في سبب نزول الآية.[2] .

أقول في الجواب:

أولاً: علم من مجموع ما سلف أنّ احتمال إرادة عموم المؤمنين ضعيف، لا يعوّل عليه، ولا يرجع إلي مستند، ولا يعارض الأخبار الکثيرة الدالّة علي أنّ نزولها في عليّ عليه السلام، وأنّ وجود القائل به غير متحقّق، مضافاً إلي أنّه علي هذا الاحتمال تکون الواو في «وَهُمْ رَاکِعُونَ» عاطفة من عطف الخاصّ علي العامّ کما في «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّکَاةَ وَارْکَعُوا مَعَ الرَّاکِعِينَ»[3] ولو کان کذلک لکان من مقتضي البلاغة أن يقول: «وهم يرکعون»؛ لأنّ الجُمل الّتي قبلها فعليّة، فلا يناسب عطف الجملة الاسميّة الصرفة عليها، بل المناسب أن يقول: «وهم يرکعون»، کما في قوله تعالي: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنفِقُونَ × وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْکَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِکَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»[4] ولم يقل «موقنون».

ثانياً: و الاستشهاد بخبر عبداللَّه بن سلام علي أنّ المراد عامّة المؤمنين لا وجه له؛ لأنّه يدلّ علي أنّ اللَّه تعالي جعل لهم بدل هجر قومهم إيّاهم ولاية اللَّه ورسوله والذين آمنوا، سواء اُريد بالذين آمنوا، العموم أو الخصوص، فإذا کان هناک ما يدلّ علي الخصوص لم يکن فيه منافاة لهذا الخبر.

وأمّا رواية عکرمة فقد انفرد بها، ولا تعارض الروايات الکثيرة، مع أنّه کان متّهماً برأي الخوارج، وإذا کان المراد بهذه الآية شخصاً معيّناً - وهو عليّ بن أبي طالب - کانت دالّة علي إمامته؛ لأنّ في اقتران ولايته بولاية اللَّه تعالي ورسوله صلي الله عليه و آله مع الحصر «إِنَّمَا» أقوي دليل علي ذلک.







  1. تفسير الفخر الرازي 416:3.
  2. تفسير الفخر الرازي 417:3.
  3. سورة البقرة: 43.
  4. سورة البقره: 3 و 4.