تفسير ألفاظ الآية وتوضيحها











تفسير ألفاظ الآية وتوضيحها



قوله تعالي: «إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» الآية، لا ريب في أنّ المراد بالولاية هنا ولاية اللَّه والرسول المطلقة، وأنّها التصرّف في شؤون المسلمين، وليس مجرّد المحبّة والنصرة، قال اللَّه تعالي: «النَّبِيُّ أَوْلَي بِالْمُؤْمِنِينَ مِن أَنفُسِهِمْ»[1] والولاية في هذه الآية تفسير وتبيين للولاية في الآية «إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، وقوله: «وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ» أي أنّ الولاية الّتي للَّه وللرسول ثابتة أيضاً لمن جمع بين الزکاة والرکوع.

وقال الرازي: فسّرت الولاية هنا بمعني الناصر، لا بمعني المتصرّف، ولکنّ الإماميّة تقول: إنّ لفظ اللَّه تعالي والرسول، ومن جمع بين الزکاة والرکوع في الصلاة جاء في آية واحدة، وولاية اللَّه والرسول معناها التصرّف، فيجب أيضاً أن يکون هذا المعني بالذات مراداً من ولاية مَن جمع بين الوصفين، وإلّا لزم أن يکون لفظ الولاية مستعملاً في مختلفين في آن واحد وهو غير جائز.[2] .

قوله: «وَالَّذِينَ آمَنُوا» وإن کان عامّاً إلّا أن إطلاق الجمع علي إرادة الخاصّ - أي الواحد - تعظيماً، شائع في اللغة والعرف، وهو کثير في القرآن الکريم أيضاً، کقوله تعالي: «إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً»[3] و«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ»[4] و«وَالسَّماءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ»[5] و«الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَکُمْ»[6] مع أنّ القائل کان واحداً وهو اللَّه تعالي في الآيات الاُول، وفي عرف العرب والعجم إذا خاطبوا واحداً يقولون فعلتم کذا، وقلتم کذا، تعظيماً له.

وقال الزمخشري: إن قلت: کيف صحّ أن يکون لعليّ واللفظ لفظ جماعة.

قلت: جي ء به علي لفظ الجمع وإن کان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب النّاس في مثل فعله، فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه علي أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تکون علي هذه الغاية من الحرص علي البرّ والإحسان، وتفقّد الفقراء حتّي إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلي الفراغ منها.[7] .

أقول: علي أنّه يظهر من بعض الأخبار أنّ المراد به جميع الأئمّة عليهم السلام، وأنّ المعصومين عليهم السلام قد وفّقوا جميعاً لمثل تلک الفضيلة، أي کونهم ولاة الأمر والقادة الرساليّين بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وفيما يلي بعض الحديث الدالّ علي ذلک.

و في تفسير (نور الثقلين): عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في حديث قال: «إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» الآية «يعني الأئمّة منّا».[8] .

وفيه أيضاً: عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: الأوصياء طاعتهم مفترضة؟ قال عليه السلام: «نعم، هُم الذين قال اللَّه عزّ وجل: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْکُمْ»، وهم الذين قال اللَّه تعالي: «إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللَّهُ...» الآية.[9] .

وکذلک استدلّ عليّ بن موسي الرضا عليهماالسلام في مجلسه مع المأمون بهذه الآية، فقال: «وکذلک آية الولاية «إِنَّمَا وَلِيُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا» الآية، فجعل ولايتهم مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته، کما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقروناً بسهمه في الغنيمة والفي ء، فتبارک وتعالي ما أعظم نعمته علي أهل هذا البيت!».[10] .

وقال العلّامة المجلسي: وأيضاً کلّ من قال: بأنّ المراد بالوليّ في هذه الآية ما يرجع إلي الإمامة قائل بأنّ المقصود بها عليّ عليه السلام ولا قائل بالفرق، فإذا ثبت الأوّل ثبت الثاني.[11] .

وأمّا قوله تعالي: «وَيُؤْتُونَ الزَّکَاةَ»، المراد من الزکاة فيه هي الصدقة؛ لأنّ الزکاة وإن اشتهرت في الشرع بأنّها الصدقة الواجبة لکنّها تطلق علي المستحبّة أيضاً بکثرة. وقوله تعالي: «وَهُمْ رَاکِعُونَ» حال لضمير يؤتون، أي ويؤتون الزکاة في حال رکوعهم.







  1. سورة الأحزاب: 6.
  2. أخذنا هذا الکلام من تفسير الکاشف 81:3.

    وفي الولاية بحيث مستوفٍ أوردناه في فصل (عليّ عليه السلام يوم الغدير)، فلاحظه.

  3. سورة نوح: 1.
  4. سورة الحجر: 9.
  5. سورة الذاريات: 47.
  6. سورة آل عمران: 173.
  7. تفسير الکشّاف 624:1.
  8. تفسير نور الثقلين 646:1.
  9. المصدر السابق: 647.
  10. المصدر السابق: 647.
  11. البحار 206:35.