كان أبو طالب مسلماً منذ البداية











کان أبو طالب مسلماً منذ البداية



قال المجلسي: قد أجمعت الشيعة علي إسلام أبي طالب عليه السلام، وأنّه قد آمن بالنبيّ في أوّل الأمر، ولم يعبد صنماً قطّ، بل کان من أوصياء إبراهيم عليه السلام، واشتهر إسلامه من مذهب الشيعة حتّي أنّ المخالفين کلّهم نسبوا ذلک إليهم، وتواترت الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة في ذلک، وصنّف کثير من علمائنا ومحّدثينا کتباً مستقلّة في ذلک.[1] .

وقال ابن الأثير في کتاب (جامع الاُصول): وما أسلم من أعمام النبيّ غير حمزة والعبّاس وأبي طالب عند أهل البيت عليهم السلام.[2] .

وقال الطبرسي رحمه الله: قد ثبت إجماع أهل البيت عليهم السلام علي إيمان أبي طالب، وإجماعهم حجّة؛ لأنّهم أحد الثقلين اللذين أمر النبيّ صلي الله عليه و آله بالتمسّک بهما.[3] .

ونذکر هنا نزراً من الأخبار في ذلک

1- روي ابن الصبّاغ المالکي: ربّاه - أي ربّي عليّاً عليه السلام - النبيّ صلي الله عليه و آله وأزلفه وهداه إلي مکارم الأخلاق والفقه، وکان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قبل بدء أمره إذا أراد الصلاة خرج إلي شعاب مکّة مستخفياً، وأخرج عليّاً عليه السلام معه، فيصلّيان ما شاء اللَّه، فإذا قضيا رجعا إلي مکانهما.[4] .

2- وفي هامشه: وقال محمّد بن طلحة الشافعي في کتابه (مطالب السؤول) بعد ذلک: فمکثا يصلّيان علي استخفاء من أبي طالب وسائر عمومتهما وقومهما، ثمّ إنّ أبا طالب مرّ عليهما، فقال لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله: ما هذا الّذي أراک تدين به؟ قال: «هذا دين اللَّه ودين ملائکته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم، بعثني اللَّه به نبيّاً إلي العباد، وأنت يا عمّ أحقّ من أبديت له النصيحة ودعوته إلي الهدي، وأحقّ من أجابني إليه وأعانني عليه»، وقال عليّ عليه السلام: «قد آمنت برسول اللَّه واتّبعته وصلّيت معه للَّه». فقال أبو طالب له: يا بُنيّ، أما إنّه لم يدعک إلّا إلي الخير، فالزمه[5] .

فهذا ظاهر في أنّ أبا طالب التزم بهذا الدين وآمن بما جاء به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

3- في کتاب (المناقب) عن الشيرازي: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله لمّا نزل الوحي عليه أتي المسجد الحرام وقام يصلّي فيه، فاجتاز به عليّ، وکان ابن تسع سنين، فناداه: «يا عليّ، إليَّ أقبل»، فأقبل إليه ملبّياً، قال: «إنّي رسول اللَّه إليک خاصّة وإلي الخلق عامّة، تعال - يا عليّ - فقف عن يميني وصلِّ معي»، فقال: «يا رسول اللَّه، حتّي أمضي وأستأذن أبا طالب والدي»، قال: «اذهب فإنّه سيأذن لک»، فانطلق يستأذن في اتّباعه، فقال: يا ولدي، تعلم أنّ محمّداً - واللَّه - أمين منذ کان، امض واتّبعه ترشد وتفلح وتشهد.

فأتي عليّ عليه السلام ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله قائم يصلّي عند المسجد، فقام عن يمينه يصلّي معه، فاجتاز بهما أبو طالب وهما يصلّيان، فقال: يا محمّد، ما تصنع؟ قال: «أعبدُ اللَّه ربّ السماوات والأرض، ومعي أخيّ عليّ يعبد ما أعبد. يا عمّ، وأنا أدعوک إلي عبادة اللَّه الواحد القهّار» فضحک أبو طالب حتّي بدت نواجذه، وأنشأ يقول:


واللَّه لن يصلوا إليک بجمعهم
حتّي اُغيّب في التراب دفينا[6] .


وأنشأ کعب بن زهير:


صهر النبيّ وخير النّاس کلّهم
وکلّ من رامه بالفخر مفخور


صلّي الصلاة مع الاُمّي أوّلهم
قبل العباد وربّ النّاس مکفور[7] .


4- وفي (أمالي الصدوق) بسنده عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، قال: أوّل جماعة کانت، أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کان يصلّي وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب معه؛ إذ مرّ أبو طالب به وجعفر معه، فقال: يا بنيّ، صِلْ جناح ابن عمّک، فلمّا أحسّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله تقدّمهما وانصرف أبو طالب مسروراً، وهو يقول:


إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي
عند ملمّ الزمان والکرب


واللَّه لا أخذل النبيّ ولا
يخذله من بنيّ ذو حسب


لا تخذلا وانصرا ابن عمّکما
أخي لاُمّي من بينهم وأبي


قال: «فکانت أوّل جماعة جمعت ذلک اليوم».[8] .

5- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي في ذيل الآية: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِينَ»[9] قال: فإنّها نزلت بمکّة بعد أن نُبّئ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بثلاث سنين؛ وذلک أنّ النبوّة نزلت علي رسول اللَّه يوم الاثنين، وأسلم عليّ يوم الثلاثاء، ثمّ أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبيّ، ثمّ دخل أبو طالب إلي النبيّ وهو يصلّي وعليّ بجنبه، وکان مع أبو طالب جعفر، فقال له أبو طالب: صِلْ جناح ابن عمّک، فوقف جعفر علي يسار رسول اللَّه (سلام اللَّه وصلواته عليهم أجمعين)، فبدر رسول اللَّه من بينهما، فکان رسول اللَّه يصلّي، وعليّ وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة يأتمّون به، فلمّا أتي لذلک ثلاث سنين أنزل اللَّه عليه: «فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ» الآية.[10] .

6- وفي (أمالي الصدوق) بسنده عن العبّاس، قال: قال أبو طالب لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله: يابن أخي، اللَّه أرسلک؟ قال: «نعم»، قال: فأرني آية، قال: ادع لي تلک الشجرة، فدعاها فأقبلت حتّي سجدت بين يديه، ثمّ انصرفت، فقال أبو طالب: أشهد أنّک صادق يا جعفر، صِلْ جناح ابن عمّک.[11] .

7- وفي (شرح ابن أبي الحديد)، قال - في حديث -: إنّ العبّاس بن عبدالمطّلب قال لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله بالمدينة: يا رسول اللَّه، ما ترجو لأبي طالب؟ فقال: «أرجو له کلّ خير من اللَّه عزّ وجلّ».[12] .







  1. بحار الأنوار 138:35.
  2. المصدر السابق: 139.
  3. بحار الأنوار 139:35.
  4. الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالکي: 33، وهامشه 33.
  5. نفس المصدر.
  6. المناقب لابن شهرآشوب 18:2.
  7. المصدر السابق: 15.
  8. أمالي الصدوق - المجلس السادس والسبعون: ح 4، وبحار الأنوار 68:35، وفي شرح ابن أبي الحديد 269:13 نحوه.
  9. سورة الحجر: 94.
  10. تفسير عليّ بن إبراهيم 378:1، وبحار الأنوار 80:35.
  11. أمالي الصدوق: 491، حديث 10، بحار الأنوار 71:35.
  12. شرح ابن أبي الحديد 68:14.