ايرادان علي الآية وجوابهما











ايرادان علي الآية وجوابهما



الايراد الأوّل: عن بعض علماء العامّة: الاستثناء منقطع، والمعني کذا: «لا أسألکم علي تبليغ الرسالة أجراً، لکن المودّة في القربي حاصلة بيني وبينکم»، فلهذا أسعي واجتهد في هدايتکم وتبليغ الرسالة إليکم.

الايراد الثاني: انّ الاستثناء في الآية متّصل، والمعني: لا أسألکم عليه أجراً من الاُجور إلّا المودّة في قرابتي، وظاهر الآية علي هذا المعني شامل لجميع قرابات النبيّ صلي الله عليه و آله، ولو خصّصناه بأهل البيت لا يدلّ علي خلافة عليّ (ووجوب طاعته)، بل يدلّ علي وجوب مودّته، ونحن نقول: إنّ مودّته واجبة علي کلّ المسلمين، والمودّة علي فرض أن تکون مع الطاعة، ولکن لا کلّ مطاع يجب أن يکون صاحب الزعامة الکبري.[1] .

الجواب: أقول في دفع الإيراد الأوّل: إنّ الاستثناء المنقطع مجاز، واقع علي خلاف الأصل، ولا يحمل الاستثناء علي المنقطع إلّا لتعذّر المتّصل، وقد صرّح به الشارح العضدي حيث قال: واعلم أنّ الحقّ إنّ المتّصل أظهر، فلا يکون مشترکاً ولا للمشترک، بل حقيقة فيه ومجاز في المنقطع، ولذلک لم يحمله علماء الأمصار علي المنفصل إلّا عند تعذّر المتّصل، حتّي عدلوا للحمل علي المتّصل علي الظاهر وخالفوه، ومن ثمّ قالوا في قوله: له عندي مائة درهم إلّا ثوباً، وله عليَّ إبل إلّا شاة، معناه: إلّا قيمة ثوب، أو قيمة شاة، فيرتکبون الإضمار، وهو خلاف الظاهر ليصير متّصلاً، ولو کان في المنقطع ظاهراً لم يرتکبوا مخالفة ظاهر حذراً عنه، انتهي کلامه.

وأمّا الإيراد الثاني، وهو قوله: إنّ کون ظاهر الآية علي هذا المعني شاملاً لجميع قرابات النبيّ صلي الله عليه و آله فمسلّم، لکن الحديث الصحيح الّذي يبلغ حدّ التواتر خصّصها بعليّ وفاطمة وابنيهما عليهم السلام، کما ذکرناه.

وأمّا قوله: إنّه لا يدلّ علي خلافة عليّ عليه السلام فجهل صرف أو تجاهل وعناد محض؛ لظهور الآية علي أنّ مودّة عليّ عليه السلام واجبة، حيث جعل اللَّه تعالي أجر الرسالة بما يستحقّ به الثواب الدائم مودّة ذوي القربي، وإنّما يجب ذلک مع عصمتهم؛ إذ مع وقوع الخطأ منهم يجب ترک مودّتهم لقوله تعالي: «لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»[2] الآية...، وغير عليّ عليه السلام ليس بمعصوم بالاتّفاق[3] فتعيّن أن يکون هو الإمام صاحب الزعامة الکبري.

وقد روي ابن حجر في الباب الحادي عشر من (الصواعق) عن إمامه الشافعي شعراً في وجوب ذلک، کما مرّ آنفاً وهو قوله:


يا أهل بيت رسول اللَّه حبّکم
فرض من اللَّه في القرآن أنزله


کفاکم من عظيم الشأن أنّکم
من لم يصلِّ عليکم لا صلاة له


علي أنّ إقامة الشيعة للدليل علي إمامة عليّ عليه السلام علي أهل السنّة غير واجب، بل تبرّعي؛ لاتّفاق أهل السنّة معهم علي إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، غاية الأمر أنّ الشيعة ينفون الواسطة وأهل السنّة يثبتونها، والدليل علي المثبت - يعني أهل السنّة - دون النافي - يعني الشيعة - إلّا أن يرتکبوا خرق الإجماع بإنکار إمامته مطلقاً، فحينئذٍ يجب علي الشيعة إقامة الدليل، واللَّه الهادي إلي سواء السبيل.[4] .







  1. هذان الايرادان اقتباس من الإحقاق 19:3، وتفسير الزمخشري (الکشّاف) 466:3.
  2. سورة المجادلة: 22.
  3. وسيأتيک البحث في عصمته عليه السلام في فصل (عليّ عليه السلام والإمامة والحکومة).
  4. انظر: الإحقاق 21:3، والايرادات الواهية علي الآية کثيرة، فمن أرادها بتفصيلها مع جوابها فليراجع الفصول المهمّة للسيّد شرف الدين: 323، وتفسير الميزان 48 - 43: 18.