مودّةُ ذوي القربي استمرار لدين الإسلام











مودّةُ ذوي القربي استمرار لدين الإسلام



إنّ المقصود من ذوي القربي في قوله تعالي: «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» هو المعني الّذي رجّحناه سابقاً، سيّما بعد ملاحظة الآيات الاُخري في هذا الباب، وکذا آية «وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً» الّتي تأتي بعد آية المودّة، فالمودّة المقصودة هي مودّة عليّ عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين وأبنائهم من الأئمّة المعصومين عليهم السلام، ومن الطبيعي أنّ المودّة المقصودة في هذه الآية ليست المحبّة العادية، بل هي مودّة تُناسب حجم الرسالة السمحاء والمشاقّ الّتي تحمّلها الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله في سبيلها، وتلک المحبّة هي الّتي تکون وسيلة لقبول الولاية الإلهيّة، واستمرار الخطّ المحمّدي الأصيل وخلوده، فمودّة ذوي القربي في الآية الشريفة يُرادُ بها استمرار الإسلام بقيادة عليّ وأولاده عليهم السلام، وهم الخلفاء لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

وهذه الآية الشريفة تثبت الولاية والقيادة والخلافة لعليّ وأولاده عليهم السلام بعد الرسول صلي الله عليه و آله، ولا تعني المحبّة والصداقة السطحيّة والظاهريّة؛ لأنّ مجرّد محبّة أولاد الرسول صلي الله عليه و آله لم تکن تثبت أجر الرسالة، بل إنّ أجر الرسالة يجب أن يکون شيئاً ملموساً يُناسب موضوع الرسالة وحکمها، وهو حفظ قيادة عليّ وأولاده عليهم السلام بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

وإذا کان هناک ثمّة نفع فإنّه إنّما يکون للنّاس بأن يسلکوا طريق الحقّ ويحافظوا علي دينهم، وإنّما يتحقّق ذلک بمودّة أهل البيت عليهم السلام (ذوي القربي) والتمسّک بقيادتهم الرساليّة.

إيضاح آخر:

تطالعنا في القرآن الکريم آيات کثيرة تتحدّث عن أنّ أنبياء اللَّه کانوا يقولون لاُممهم: إنّنا لم نطلب أجراً مقابل هذه الرسالة إلّا من اللَّه جلّ وعلا «وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ مِن أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَي رَبِّ الْعَالَمِينَ».[1] .

ونلمس من خلال القرآن الکريم الکثير من أقوال الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله الّتي تؤکّد هذا المعني «قُلْ مَا سَأَلْتُکُم مِن أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَي اللَّهِ»[2] ويقول عزّ وجلّ: «قُلْ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ مِن أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَي رَبِّهِ سَبِيلاً»[3] ويقول: «قُلْ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ مِن أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِينَ»[4] وجاء في الآية مورد البحث «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي».

ويتبيّن من خلال هذه الآيات ما قلناه، ففي الآية الاُولي ينفي وبشکل کامل أجر الرسالة إلّا من اللَّه تعالي. وفي الآية الثانية يقول: إنّه لا يطلب من أحد أي أجرٍ إلّا العمل في سبيل اللَّه، وأن يستجيب لدعوة اللَّه تعالي. وفي الآية الثالثة يقول: إنّ أجر هذه الرسالة هو لکم. وفي الآية مورد البحث يقول: إنّ أجر رسالتي هو مودّة ذوي القربي وسلوک طريقهم الّذي يمثّل طريق الإسلام وطريق الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله. ولغرض توضيح هذه الحقائق بشکل جليّ في الآية التاليه: «وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَکُورٌ».[5] .

وهل يتوخّي الإنسان قادةً ونماذج يقتدي بها أحسن من عليّ وفاطمة وأولادهما عليهم السلام؟! وما أجمل أن يتّخذ ذوي القربي (أهل البيت) عليهم السلام نموذجاً له ليحلّ معضلات وتعقيدات حياته، ويتّجه إلي توحيد الخالق...

وفي حديث عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «والّذي نفسي بيده، لا يزول قدم عبد يوم القيامة حتّ يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن ماله ممّ کسبه، وفيم أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت».[6] .

فکما أنّ السؤال في القيامة عن عمره وماله، فکذلک السؤال عن حبّ أهل البيت بمقدار اعتقاده بهم عليهم السلام، والعمل بما اعتقده.







  1. سورة الشعراء: 109 و 127.
  2. سورة سبأ: 47.
  3. سورة الفرقان: 57.
  4. سورة ص: 86.
  5. سورة الشوري: 23.
  6. ينابيع المودّة: 106.