في معني المودّة في القربي











في معني المودّة في القربي



وقع الاختلاف بين مفسّري الشيعة والسنّة في معني المودّة في القربي علي النحو التالي:

الأوّل: يعتقد الشيعة أنّ مودّة أهل البيت هي المودّة في الدين، وهي أجر الرسالة المقصودة في القرآن الکريم، وليست هذه المودّة هي مجرّد محبّة عادية کالتي بين الأصدقاء، بل هي تتناسب مع أجر الرسالة السمحاء؛ إذ تتطلّب الإيمان بإمامة المعصومين عليهم السلام والاعتقاد به، وکما سيجيئ، فإنّ مودّتهم هي وسيلة لتقوية الرسالة؛ إذ في الحقيقة لم تکن المودّة هنا غير الدعوة الدينيّة من حيث بقائها ودوامها.

إذن فإنّ مفاد الآية الشريفة لا يغاير مؤدّي سائر الآيات النافية لسؤال الأجر، وبذلک يظهر فساد ما أورد علي هذا الوجه من أنّه لا يناسب شأن النبوّة لما فيه من التهمة، فإنّ أکثر طلّاب الدنيا يفعلون شيئاً ويسألون عليه ما يکون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم، وهذا الإيراد واضح البطلان ممّا ذکرناه.

وقد وردت بهذا المعني روايات من طرق أهل السنّة، وتکاثرت الأخبار من طرق الشيعة في تفسير الآية بمودّتهم وموالاتهم.

و نکتفي هنا بما رواه الفخر الرازي في تفسير هذه الآية، عن صاحب الکشّاف أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية قيل: يا رسول اللَّه، من قرابتک هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ فقال: «عليّ وفاطمة وابناهما»، فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبيّ صلي الله عليه و آله، وإذا ثبت هذا وجب أن يکونوا مخصوصين بمزيد التعظيم، ويدلّ عليه وجوه:

الأوّل: قوله تعالي: «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي». الثاني: لا شکّ أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله کان يحبّ فاطمة عليهاالسلام. قال صلي الله عليه و آله: «فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما يؤذيها»، وثبت بالنقل المتواتر عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أنّه کان يحبّ عليّاً والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلک وجب علي کلّ الاُمّة مثله؛ لقوله: «وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ»: ولقوله تعالي: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ»... الثالث: أنّ الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلک جعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة، وهو قوله: اللّهمّ صلِّ علي محمّد وآل محمّد، وارحم محمّداً وآل محمّد، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الآل، فکلّ ذلک يدلّ علي أنّ حبّ آل محمّد واجب.[1] .

الثاني: ما عن بعض اهل السنة في تفسير المودّة في القربي، يقول: إنّ الخطاب لقريش، والأجر المسؤول هو مودّتهم للنبيّ صلي الله عليه و آله؛ لأنّه له علاقة قرابة ونسب معهم، واللَّه يقول له: قل لهم: إنّني منکم لا تؤذوني.

وفيه: أنّ هذا التفسير واهٍ جدّاً؛ لأنّ المخاطب في هذه الآية هم المهاجرون والأنصار وسائر المسلمين ممّن آمن باللَّه ورسوله إلي يوم القيامة، وعلاوة علي هذا فإنّ الرسول صلي الله عليه و آله کان بالمدينة ولم يکن يتعرّض للأذي فيها لکي يحتاج إلي مثل هذه الوصيّة.

الثالث: عن بعض آخر من مفسري أهل السنّة حيث يقولون: انّ المودّة بما يفعله العبد لأجل التقرّب إلي اللَّه سبحانه، وبعبارة اُخري هي التودّد إليه بالطاعة والتقرّب، فالمعني لا أسألکم عليه أجراً إلّا أن تتودّدوا إليه تعالي بالتقرّب إليه.

وفيه: أنّ المخاطبين هم الأنصار والمهاجرين، وکلّهم يوادّون اللَّه تعالي، فلا يحتاج إلي التأکيد في حدّ أجر الرسالة، مضافاً إلي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله کان يطلب من النّاس طاعة الخالق العزيز لا محبّته فقط؛ لأنّ المشرک يحاول التقرّب إلي اللَّه تعالي أيضاً.

الرابع: عن بعض المفسّرين منهم أنّه فسّر المودّة في القربي بعيال المسلمين وأقاربهم عامّة، أي أنّه صلي الله عليه و آله طلب التقرّب إليهم ووصل رحمهم، وهذا هو أجر الرسالة.

وفيه: أوّلاً: ما الأثر الّذي تترکه مودّة الأقارب علي الرسالة الإسلاميّة؟

وثانياً: أنّ أجر الرسالة من المسائل الخطيرة الّتي يجب أن تعود بالفائدة علي الرسالة.

ويظهر من جملة التفاسير المذکورة أنّ التفسير الأوّل هو الأرجح في أداء المعني المراد.







  1. تفسير الرازي 166:27.