سبب نزول الآية











سبب نزول الآية



عند ما استقرّ النظام الإسلامي في المدينة جاء جمع من الأنصار إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وقالوا: يا رسول اللَّه، لقد آويناکم ونصرناکم ونحن نضع أموالنا بين أيديکم.

والّذي يبدو من ظاهر کلامهم أنّهم إنّما کانوا يريدون إعلاء دين اللَّه وإعانة الرسول صلي الله عليه و آله، وربّما کانوا يقصدون تعويض الرسول صلي الله عليه و آله أتعابه، وما تحمّل من المشقّة في سبيل دين اللَّه تعالي؛ لذلک نزلت هذه الآية جواباً لهم: «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»، فجعل اللَّه جلّ وعلا مودّة أهل البيت عليهم السلام الأجر الوحيد علي هذه الرسالة السمحاء، وسنعرض مجموعة من الأخبار المنقولة عن السنّة والشيعة في سبب نزول الآية:

نذکر هنا بعض ما ورد من الروايات في شأن نزول الآية:

منها: ما روي الشيخ الطبرسي، بإسناده عن عبداللَّه بن عبّاس، قال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حين قدم المدينة واستحکم الإسلام، قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فنقول له: إن تَعرُک اُمور فهذه أموالنا تحکم فيها غير حرج ولا محظور عليک، فأتوه في ذلک، فنزلت: «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»[1] فقرأها عليهم، وقال: «تودّون قرابتي من بعدي»، فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله.

فقال المنافقون: إنّ هذا لشي ء افتراه في مجلسه، أراد بذلک أن يذلّلنا لقرابته من بعده، فنزلت: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَي عَلَي اللَّهِ کَذِباً»[2] فأرسل إليهم فتلاها عليهم، فبکوا واشتدّ عليهم، فأنزل اللَّه سبحانه: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ»[3] فأرسل في أثرهم فبشّرهم، وقال: «وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا»[4] وهم الذين سلّموا لقوله، ثمّ قال سبحانه: «وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً»[5] أي مَن فعلَ طاعة نزد له في تلک الطاعة حُسناً بأن يوجب له الثواب.[6] .

منها: قال الزمخشري في تفسيره: وقيل: أتت الأنصار رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بمال جمعوه، وقالوا: يا رسول اللَّه، قد هدانا اللَّه بک، وأنت ابن اختنا، وتعروک نوائب وحقوق، وما لک سعة، فاستعن بهذا علي ما ينوبک، فنزلت الآية «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»، وردّه.[7] .

وفيه أيضاً أنّ الأنصار قالوا: فعلنا وفعلنا، کأنّهم افتخروا، فقال عبّاس - أو ابن عبّاس: لنا الفضل عليکم، فبلغ ذلک رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فأتاهم في مجالسهم، فقال: «يا معشر الأنصار، ألم تکونوا أذلّة فأعزّکم اللَّه بي؟»، قالوا: بلي، يا رسول اللَّه، قال: «ألم تکونوا ضلّالاً فهداکم اللَّه بي؟»، قالوا: بلي يا رسول اللَّه، قال: «أفلا تجيبونني؟»، قالوا: ما نقول، يا رسول اللَّه؟ قال: «ألا تقولون: ألم يخرجک قومک فآويناک؟ أوَلم يکذّبوک فصدّقناک؟ أوَلم يخذلوک فنصرناک؟»، قال: فما زال يقول حتّي جثوا علي الرکب وقالوا: أموالنا وما في أيدينا للَّه ولرسوله، فنزلت الآية: «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي».[8] .

و منها: ما روي ابن المغازلي بسنده عن ابن عبّاس أنّه قال: لمّا نزلت: «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي» قالوا: يا رسول اللَّه، مَن هؤلاء الذين أمر بمودّتهم؟ قال صلي الله عليه و آله: «عليّ وفاطمة وولدهما».[9] .

و منها: ما في تفسير القمّي، قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في قول اللَّه: «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»، «يعني في أهل بيته». قال: جاءت الأنصار إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقالوا: إنّا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها علي ما نابک[10] فأنزل اللَّه «قُل لَا أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً»، يعني علي النبوّة «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي»، يعني في أهل بيته.[11] .







  1. سورة الشوري: 23.
  2. سورة الشوري: 24.
  3. سورة الشوري: 25.
  4. سورة الشوري: 26.
  5. سورة الشوري: الآية 23.
  6. مجمع البيان 29:9.
  7. تفسير الکشّاف 468:3.
  8. المصدر السابق: 467.
  9. المناقب لابن المغازلي الشافعي: 307، ح 352.
  10. نابک: أي أصابک.
  11. تفسير القمّي 275:2.