ما رواه ابن الصبّاغ المالكي











ما رواه ابن الصبّاغ المالکي



و قال: أهل البيت علي ما ذکر المفسّرون في تفسير آية المباهلة، وعلي ما روي عن اُمّ سلمة هم النبيّ صلي الله عليه و آله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ثمّ قال: أمّا آية المباهلة، وهي قوله تعالي: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَي عِندَ اللَّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ» إلي قوله: «ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَي الْکَاذِبِينَ».[1] .

وسبب نزول هذه الآية: إنّه لمّا قدم وفد نجران علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر وعليهم ثياب الحبرات، وأردية الحرير، لابسين الحلل، متختّمين بخواتم الذهب، يقول من رآهم من أصحاب النبيّ صلي الله عليه و آله: ما رأينا مثلهم وفداً قبلهم، وفيهم ثلاثة من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم، وهم: العاقب، واسمه عبد المسيح، کان أمير القوم، وصاحب رأيهم، وصاحب مشورتهم، لا يصدرون إلّا عن رأيه، والسيّد، وهو الأيهم، وکان ثمالهم، وصاحب رحابهم ومجتمعهم، وأبو حاتم بن علقمة، وکان اُسقفهم، وحبرهم، وإمامهم، وصاحب مدارسهم، وکان رجلاً من العرب من بني بکر بن وائل، ولکنّه تنصّر فعظّمته الروم وملوکها وشرّفوه، وبنوا له الکنائس، وولّوه وأخدموه؛ لما علموه من صلابته في دينهم، وقد کان يعرف أمر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وشأنه وصفته ممّا علمه من الکتب المتقدّمة، ولکن حمله جهله علي الاستمرار في النصرانيّة لما رأي من تعظيمه ووجاهته عند أهلها.

فتکلّم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مع أبي حاتم بن علقمة والعاقب عبد المسيح وسألهما وسألاه، ثمّ إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لمّا تکلّم مع هذين الحبرين اللذين هما العاقب وعبد المسيح دعاهما إلي الإسلام، فقالوا: أسلمنا. فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «کذبتم، إنّه يمنعکم من الإسلام ثلاثة أشياء: عبادتکم الصليب، وأکلکم الخنزير، وقولکم للَّه ولد»، فقالوا: هل رأيت ولداً بغير أب؟ فَمن أبو عيسي؟ فأنزل اللَّه تعالي: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَي عِندَ اللَّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ کُن فَيَکُونُ × الْحَقُّ مِن رَّبِّکَ فَلَا تَکُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ» الآية.

فلمّا نزلت هذه الآية مصرّحة بالمباهلة، دعا رسول اللَّه وفد نجران إلي المباهلة، وتلا عليهم الآية، فقالوا: حتّي ننظر في أمرنا ونأتيک غداً، فلمّا خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب صاحب مشورتهم: ما تري من الرأي؟ فقال: واللَّه قد عرفتم - معشر النصاري - أنّ محمّداً نبيٌّ مرسل، ولقد جاءکم بالفصل من عند صاحبکم، فواللَّه ما لاعن قوم قطّ نبيّهم إلّا هلکوا عن آخرهم، فاحذروا کلّ الحذر أن تکون شأفة[2] الاستئصال منکم، وإن أبيتم إلّا ودينکم والإقامة عليه، فوادعوا الرجل وأعطوه الجزية، ثمّ انصرفوا إلي مقرّکم.

فلمّا أصبحوا جاءوا إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فخرج وهو محتضن الحسين، وآخذ بيد الحسن، وفاطمة خلفه، وعليّ خلفهم، وهو يقول: «اللّهمّ هؤلاءِ أهلي، إذا أنا دعوت أمِّنوا»، فلمّا رأي وفد نجران ذلک وسمعوا قوله، قال کبيرهم: يا معشر النصاري، إنّي لأري وجوهاً لو سألت اللَّه تعالي أن يزيل جبلاً لأزاله، لا تباهلوا فتهلکوا، ولا يبقي علي وجه الأرض نصرانيّ منکم إلي يوم القيامة، فاقبلوا الجزية، فقبلوا الجزية وانصرفوا.

فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «والّذي نفس محمّد بيده، إنّ العذاب قد نزل علي أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخهم اللَّه قردة وخنازير، ولاضطرم الوادي عليهم ناراً، ولاستأصل اللَّه تعالي نجران وأهله حتّي الطير علي الشجر، ولم يحل الحول علي النصاري حتّي هلکوا».

قال جابر بن عبداللَّه: «أَنفُسَنَا» محمّد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وعليّ عليه السلام، و «أَبْنَاءَکُمْ» الحسن والحسين، و «نِسَاءَنَا» فاطمة (سلام اللَّه عليهم أجمعين)، هکذا رواه الحاکم في مستدرکه عن عليّ بن عيسي.[3] .







  1. سورة آل عمران: 61 - 59.
  2. الشّأفَة: قَرْحَةً تَخْشُن فَتُسْتأْصَل بالکيّ، واستأصل اللَّه شأفته: أزاله من أصله.
  3. الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالکي: 23.