في معني ألفاظ الآية وتوضيحها











في معني ألفاظ الآية وتوضيحها



المحاجّة: هي تبادل الحجّة، وهي ما يقصد به إثبات المدّعي، سواء کان دليلاً حقّاً أو مغالطة باطلة.

في (المفردات): والمحاجّة: أن يطلب کلّ واحد أن يردّ الآخر عن حجّته ومحجّته.[1] .

وأمّا الابتهال: البهل والابتهال في الدعاء: الاسترسال فيه والتضرّع، نحو قوله: «ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَي الْکَاذِبِينَ»، ومن فسّر الابتهال باللعن، فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المکان لأجل اللعن. قال الشاعر:


نظر الدهر إليهم فابتهل
أي استرسل فيهم، فأفناهم[2] .


وفي (النهاية) ما ملخّصه: البهل: التضرّع والمبالغة في السؤال، وفي حديث الدعاء: «والابتهال أن تمدّ يديک جميعاً»، ويأتي بمعني اللعن، والمباهلة: الملاعنة، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شي ء فيقولوا: لعنة اللَّه علي الظالم منّا.[3] .

وفي (تفسير الکشّاف): «ثُمَّ نَبْتَهِلْ» ثمّ نتباهل، بأن نقول: بهلة اللَّه علي الکاذب منّا ومنکم، والبهلة - بالفتح والضمّ -: اللعنة، وبهله اللَّه: لعنه وأبعده من رحمته، من قولک: أبهله إذا أهمله.[4] .

ويسبق هذه الآية قوله تعالي: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَي عِندَ اللَّهِ کَمَثَلِ آدَمَ...»، وهو احتجاج علي النصاري الذين جعلوا ولادة المسيح عليه السلام من غير أب دليلاً علي کونه ابن اللَّه!! فردّ اللَّه عليهم بأنّ مثله کمثل آدم عليه السلام؛ إذ خلقه من غير أب واُمّ، ولم يکن هذا دليلاً علي بنوّته للَّه تعالي أو اُلوهيّته، وکذلک الأمر في عيسي بن مريم عليه السلام.

وهذه الحجّة مع قطع النظر عن کونها وحياً إلهيّاً هي حجّة عقليّة لا تقبل المعارضة، إلّا أنّ النصاري کانوا يجادلون ويبالغون في الجدال، ويصرّون علي الضلال، فلم يکن ثمّة سبيل إلّا بارجاع الأمر إلي اللَّه تعالي حتّي يحکم بالحقّ وهو خير الحاکمين.

ومن هنا فقد أمر اللَّه نبيّه صلي الله عليه و آله أن يعرض عليهم موضوع الابتهال إلي اللَّه حتّي يجعل لعنة اللَّه علي الکاذبين، ويبيّن صدق الصادقين. وقد کان هذا التحدّي الحسّي الکبير يشکل حدّاً ومنعطفاً تاريخيّاً کبيراً للدعوة الإسلاميّة وموقفها من أعدائها...؛ لأنّه الدليل الحاسم الّذي لا يمکن تکذيبه.

ولکي يبدو بوضوح اطمئنان صاحب الدعوة المباهل بدعوته وصدقه، طلبت الآية أن يحضر کلّ من المتباهلين خاصّته من أهله وولده، ليبدو الحقّ جليّاً، وينکشف صدق النوايا، في حين يکون الإحجام عن ذلک دليل التزلزل والارتياب؛ إذ قد يحسم الأمر قبل الوصول إلي اللحظة الأخيرة، حيث يري الخصم اطمئنان صاحب الدعوة بدعوته، وتعريض نفسه وأحبّائه لمثل هذا الأمر الخطير، فيکشف له أنّه علي الحقّ، وقد يستسلم له ويرتدع عن ضلاله.

وقد عبّرت الآية بتعبير موجز عن هذه الدعوة، فقالت: «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ» الآية، بمعني تعالوا کي ندعو نحن وأنتم خاصّتنا وأهلينا للمشارکة في الابتهال، ولعلّه لبيان شدّة الاطمئنان قدّمت الآية ذکر الأبناء، ثمّ ذکرت النساء، ثمّ ذکرت الخاصّة، باعتبار أنّ عناية الإنسان بحفظ ولده الصغير والغيرة علي نسائه أشدّ منها بالنسبة لسائر خاصّته.

هذا وقد اتّفقت الروايات، وأجمع المفسّرون، وکذلک المؤرّخون، علي أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله دعا وفد النصاري إلي المباهلة، وحضر بنفسه وأهل بيته عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، إلّا أنّ النصاري أحجموا عن المباهلة عندما شاهدوا هؤلاء الصفوة، واقترحوا أن يعطوا الجزية، فقبل النبيّ صلي الله عليه و آله الجزية منهم.[5] .

وممّا لا ريب فيه أنّ نزول الآية الشريفة في حقّ أصحاب الکساء والخمسة النجباء الأطهار عليهم السلام، علي درجة من الوضوح والاشتهار، بحيث کاد أن يعدّ من الضروريات الأوّليّة، فکم من مفسّر ومحدّث ومؤرّخ وفقيه، ذکروه في أسفارهم وکتبهم، وأرسلوه إرسال المسلّمات، بل ذهب جلّ أهل القبلة علي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله لم يدع للمباهلة من النساء سوي بضعته فاطمة الزهراء عليهاالسلام، ومن الأبناء سوي سبطيه الحسن والحسين عليهماالسلام، ومن الأنفس إلّا أخاه الّذي کان منه بمنزلة هارون من موسي عليه السلام، فهؤلاء أصحاب هذه الآية.

وبعبارة اُخري: أجمع المفسّرون علي أنّ «أَبْنَاءَنَا» إشارة إلي الحسن والحسين عليهماالسلام، «وَنِسَاءَنَا» إشارة إلي فاطمة عليهاالسلام، «وَأَنفُسَنَا» إشارة إلي عليّ عليه السلام، فجعل اللَّه تعالي علياً عليه السلام نفس محمّد صلي الله عليه و آله، والمراد: المساواة، والمساوي للأکمل والأوْلي بالتصرّف يساويه في ذلک.







  1. مفردات الراغب: 108.
  2. مفردات الراغب: 63.
  3. نهاية ابن الأثير 167:1، مادة (بهل).
  4. تفسير الکشّاف 434:1.
  5. انظر: الولاية في القرآن: 131.