اما الجواب علي الإيرادات











اما الجواب علي الإيرادات



قال العلّامة التستري في جوابه وجوه:

أوّلاً: فلما مرّ من أنّ مراد المصنّف من إجماع المفسّرين هاهنا، وفي أمثاله، اتّفاق المفسّرين من الشيعة والسنّة علي ذلک، وأنّ هذا المعني يتحقّق بموافقة بعض المفسّرين من أهل السنّة معهم، وأنّ ما ذهب إليه بعض من طائفة، ووافق فيه آخرون من خصومهم، حجّة علي الکلّ.

وأيضاً قد قلنا سابقاً: إنّ مراد المصنّف دعوي إجماعهم علي ذلک قبل ظهور المخالف، والمخالف حادث لا يعتدّ به، والّذي يدلّ علي ذلک أنّ من المفسّرين من روي خلاف ذلک کانوا متأخّرين علي الثعلبي وأحمد بن حنبل، ولهذا لم يذکر الناصب الرجس المارد من أکثر هؤلاء المفسّرين المخالفين الذين ادّعي وجودهم واحداً باسمه، بل قد کذّبه في ذلک مَن هو أعلم منه بالحديث والتفسير من مشايخ نحلته؛ إذ قال الشيخ ابن حجر في صواعقه:[1] إنّ أکثر المفسّرين علي أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لتذکير ضمير «عَنکُمُ».

و ثانياً: فلأنّ ما ذکره من المناسبة إنّما تجب رعايتها إذا لم يمنع عنه مانع، ومن البيّن أنّ تذکير ضمير «عَنکُمُ» و «يُطَهِّرَکُمْ»، وبعض القرائن الخارجة الآتية مانع عن ذلک، فمن ذهب من المفسّرين إلي حمل الآية علي خصوص الأزواج نظراً إلي تلک المناسبة قد جعل نفسه مورداً لقول الشاعر:


حفظت شيئاً وغابت عنک أشياء

علي أنّ في تغيير الاُسلوب في الآيات المتقاربة المسوقة لذکر أهل البيت والأزواج دقيقة، هي أنّ الأزواج في محلّ وأهل البيت في محلّ آخر عند اللَّه.

و ثالثاً: فلأنّ قوله: هذا نصّ القرآن يدلّ... إلي آخر کلامه، إن أشار فيه بقوله: «هذا» إلي الآيات الّتي ذکرها الناصب، وهي السابقة علي آية التطهير الّتي ذکرها المصنّف، فمسلّم أنّها تدلّ علي إرادة الأزواج، لکن لا يجديه نفعاً، وإن أشار به إلي ما يعمّها وآية والتطهير، فکون خصوص آية التطهير أيضاً دالّة علي ذلک، ظاهر البطلان، بل هو نصّ في خلاف ذلک لما عرفت وستعرفه.

وأمّا استدلاله علي ما فهمه من الدلالة بقوله: «لأنّه مذکور في قَرْن حکاياتهنّ...» إلي آخره.

ففيه: أنّ کون الآية الاُولي في أزواجه صلي الله عليه و آله لا يمنع عن کون ما هو في قرنها متّصلاً بها[2] بعدها في غيرهنّ، سيّما إذا قام الدليل علي ذلک، وهو تذکير ضمير «عَنکُمُ» و «وَيُطَهِّرَکُمْ»، وما روي من أنّه لمّا نزلت هذه الآية جمع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وجلّلهم بکساء فدکي، فقال: «هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً».[3] .

وأيضاً أهل بيت الرجل في العرف هم قرابته من عترته، لا أزواجه بدليل سبق الفهم إلي ذلک، وهو السابق إلي فهم کلّ عصر، فما أحد يذکر أهل بيت النبيّ صلي الله عليه و آله في شعر أو غيره، إلّا وهو يريد من ذکرناه، لا أزواجة.

ثمّ أقول: إنّ مناقشة الجمهور في هذا المقام إنّما نشأت من حملهم البيت في الآية والحديث علي البيت المبني من الطين والخشب المشتمل علي الحجرات الّتي کان يسکنها النبيّ صلي الله عليه و آله مع أهل بيته وأزواجه؛ إذ لو اُريد بالبيت ذلک لاحتمل ما فهموه، ولکنّ الظاهر أنّ المراد بأهل البيت علي طبق قولهم: أهل اللَّه وأهل القرآن وأهل بيت النبوّة، ولا ريب أنّ هذا منوط بحصول کمال الأهليّة والاستعداد المستعقب للتنصيص والتعيين من اللَّه ورسوله علي المتّصف به، کما وقع في الآية والحديث، ولهذا احتاجت اُمّ سلمة إلي السؤال عن أهليّتها للدخول فيهم کما مرّ في الأخبار.

و رابعاً: فلأنّ قول الناصب المعاند: وعلي هذا، فليس الرجس هاهنا محمولاً علي الطهارة من کلّ الذنب... إلي آخره، مردود بأنّ الرجس لا يحمل علي الطهارة لظهور بطلان ذلک، وإنّما تحمل الطهارة علي الطهارة عن الرجس، وأيضاً الّذي حمل الطهارة علي الطهارة من کلّ الذنوب، إنّما حملها عليها علي تقدير أن يکون المراد من أهل البيت المذکور في الآية، الخمسة من آل العباء، لا علي تقدير أن يراد منها الأزواج، فنفي کون الطهارة محمولاً علي الطهارة عن کلّ الذنوب علي التقدير الثاني ظاهر لا حاجة إلي ذکره.

وأمّا ما ذکره من أنّا لا نسلّم أنّ عليّاً ادّعي الإمامة لنفسه، فقد ظهر بطلانه من مطاوي فصولنا في هذا الکتاب، حيث مرّت مناشدته في يوم الشوري، وعلي المنابر المتعدّدة، واحتجاجاته في مواطن کثيرة.

و خامساً: فلأنّ ما ذکره بقوله: «ثمّ لو کان الرجس محمولاً علي الذنب لما کانت عائشة مأخوذة بذنبها في وقعة الجمل... الکلام»، ففيه مؤاخذة ظاهرة؛ لأنّ دخول عائشة في الآية فرض محال، وعلي فرض أنّها مذنبة کيف يمکن دخولها في الآية؟

فتلخّص ممّا ذکرنا أنّ الآية نزلت في عصمة أهل الکساء، وهم الخمسة الطيّبين، النبيّ صلي الله عليه و آله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام لا غيرهم.

فأرجو من اخواني المتديّنين بمذاهب السنّة أن ينبذوا اتّباع سلفهم، ويمعنوا النظر فيما تلونا عليهم، وربّي الواقف علي الضمائر، والمطّلع علي السرائر، يعلم أنّي مخلص لهم في هذه النصيحة ليس في ضميري مرض، ولا لي سوي الإرشاد غرض، هذا سبيل ربّي، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليکفر، إنّا هديناه السبيل، إمّا شاکراً وإمّا کفوراً:


علي اللَّه في کلّ الاُمور توکّلي
وبالخمس أصحاب الکساء توسّلي


محمّد المبعوث وابنيه بعده
وفاطمة الزهراء والمرتضي عليّ[4] .


اللّهمّ أحينا حياتهم، وأمتنا مماتهم، واحشرنا في زمرتهم، ولا تفرّق بيننا وبينهم طرفة عين أبداً. آمين يا ربّ العالمين







  1. الصواعق المحرقة: 141.
  2. کذا في المصدر، والسياق: «بما».
  3. قد مرّت الأحاديث في هذا الباب، فلا نعيدها رعاية للاختصار.
  4. راجع: إحقاق الحقّ بتحقيق آية العظمي النجفي المرعشي (قدّه) 565:2، ولقد أجاد السيّد شرف الدين (قدّه) في الفصول المهمّة: 214 - 209 في ردّ الإشکال، فراجعه فإنّه لا يخلو من فائدة.