المستفاد من مجموع الآية الشريفة فضيلة أهل البيت وعصمتهم











المستفاد من مجموع الآية الشريفة فضيلة أهل البيت وعصمتهم



بعد نقل الأخبار، وتوضيح معاني مفردات الآية يستفاد أنّ هذه الآية من کرائم الآيات الّتي تدلّ علي أنّ عليّاً وفاطمة والحسنين عليهم السلام أفضل البشر، وخير البريّة من الأوّلين والآخرين، من الأنبياء والمرسلين، سوي خاتم النبيّين صلي الله عليه و آله، وتدلّ أيضاً علي عصمتهم من جميع الذنوب والخطأ والسهو؛ إذ معني الآية: يا أهل البيت، يا أصحاب الکساء، أنتم الذين أراد اللَّه لکم فقط لا لغيرکم أن يذهب عنکم الرجس ويطهّرکم تطهيراً کاملاً شاملاً، ونذکر هنا بعض کلمات لعلماء الإماميّة (رضوان اللَّه عليهم أجمعين):

1- قال العلّامة الأميني في (الغدير) في توضيح المستفاد من الآية: إنّ سدّ الأبواب الشارعة في المسجد کان لتطهيره عن الأدناس الظاهريّة والمعنويّة، فلا يمرّ به أحدٌ جنباً، ولا يجنب فيه أحدٌ.

وأمّا ترک بابه صلي الله عليه و آله وباب أمير المؤمنين[1] عليه السلام، فلطهارتهما عن کلّ رجس ودنس بنصّ آية التطهير، حتّي إنّ الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما، کما يعطي ذلک التنظير بمسجد موسي الّذي سأل ربّه أن يطهِّره لهارون وذرّيّته، أو أنّ ربّه أمره أن يبني مسجداً طاهراً لا يسکنه إلّا هو وهارون، وليس المراد تطهيره من الأخباث فحسب، فإنّه حکم کلّ مسجد - إلي أن قال: - إنّ إبقاء ذلک الباب والإذن لأهله بما أذن اللَّه لرسوله ممّا خصّ به، مبتنٍ علي نزول آية التطهير النافية عنهم کلّ نوع من الرجاسة، ويشهد لذلک حديث مناشدته يوم الشوري، وفيه قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أفيکم أحد يطهّره کتاب اللَّه غيري، حتّي سدّ النبيّ صلي الله عليه و آله أبواب المهاجرين جميعاً وفتح بابي إليه؟ حتّي قام إليه عمّاه حمزة والعبّاس، وقالا: يا رسول اللَّه، سددت أبوابنا وفتحت باب عليّ؟ فقال النبيّ صلي الله عليه و آله: «ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابکم، بل اللَّه فتح بابه وسدّ أبوابکم»، فقالوا: لا. ثمّ قال الأميني (رضوان اللَّه عليه): ولم يکن أبو بکر من أهل هذه الآية، حتّي أن يُفتح له بابٌ أو خوخةٌ، فالفضل مخصوص بمن طهّره الکتاب الکريم.[2] .

2- وقال الإمام السيّد شرف الدين: فيا أهل البصائر برسول اللَّه صلي الله عليه و آله، العارفين بمبلغه من الحکمة والعصمة، المقدّرين قدر أفعاله وأقواله، هل تجدون وجهاً لحصرهم تحت الکساء عند تبليغه الآية عن اللَّه تعالي إلّا المبالغة البليغة في توضيح ما قلناه من اختصاصها بهم وامتيازهم بها عن العالمين؟ وهل تفهمون من قوله: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»، إلّا الحصر بهم والقصر عليهم؟ وهل ترون وجهاً لجذب الکساء من يد اُمّ سلمة ومنعها من الدخول معهم - علي جلالة قدرها، وعظم شأنها - إلّا الّذي ذکرنا؟

فأين تذهبون؟ وأنّي تؤفکون؟ «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِيمٍ × ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَکِينٍ × مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ × وَمَا صَاحِبُکُم بِمَجْنُونٍ»[3] فيکون بحجبه إيّاهم في کسائه عابثاً؟ أو يکون بقوله: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي» هاذياً؟! أو يکون بجذبه الکساء من اُمّ سلمة مجازفاً؟ حاشا اللَّه: «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَي × عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي».[4] .

وقد تکرّرت منه صلي الله عليه و آله قضيّة الکساء، حتّي احتمل بعض العلماء تکرار نزل الآية أيضاً، والصواب عندنا نزول الآية مرّة واحدة، لکن حکمة الصادق الأمين في نصحه ببلاغة المبين اقتضت تکرير القضيّة، مرّة في بيت اُمّ سلمة عند نزول الآية وتبليغها لأهل المخاطبين فيها، واُخري في بيت فاطمة، وفي کلّ مرّة يتلو عليهم الآية مخاطباً لهم بها، وهم في معزل عن النّاس تحت ذلک الکساء درءاً للشبهة في نحور أهل الزيغ، وقد بلغ - بأبي هو واُمّي - في توضيح اختصاص الآية بهم کلّ مبلغ، وسلک في إعلان ذلک مسالک ينقطع معها شغب المشاغب، ولا يبقي بعدها أثر لهذيان النواصب، حتّي کان بعد نزول الآية کلّما خرج إلي الفجر يمرّ ببيت فاطمة عليهاالسلام فيقول: «الصلاة يا أهل البيت «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً»». وقد استمرّ علي هذا ستّة أشهر في رواية أنس، في (مسند أحمد بن حنبل 259:3)، وعن ابن عبّاس سبعة أشهر. وفي رواية ذکرها النبهاني وغيره ثمانية أشهر، فصرّح الحقّ عن محضه، وبدأ الصبح لذي عينين، انتهي کلامه رفع اللَّه مقامه.[5] .

وعنه أيضاً: أنّ الآية دلّت بالالتزام علي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنّه ادّعي الخلافة لنفسه، وادّعاها له الحسنان وفاطمة، ولا يکونون کاذبين؛ لأنّ الکذب من الرجس الّذي أذهبه اللَّه عنهم وطهّرهم منه تطهيراً.[6] .

3- وأنشد العلّامة الشيخ يوسف النبهاني البيروتي قائلاً:


آل طاه يا آل خير نبيّ
جدّکم خيرة وأنتم خيار


أذهب اللَّه عنکم الرجس أهل البيت
قدماً وأنتم الأخيار


لم يسل جدکم علي الدين أجراً
غير وُدِّ القربي ونعم الإجار[7] .


4- وقال آية اللَّه السيّد شهاب الدين المرعشي في هامش الإحقاق في التتمّة: اعلم أنّ الآية صريحة في الدلالة علي عصمة أهل البيت، توضيحه: أنّ الآية صريحة في تعلّق إرادته تعالي بتطهير أهل البيت، فيثبت تحقّقه لاستحالة تخلّف إرادته تعالي عن مراده؛ لکونها مرادة بالإرادة التکوينيّة لا محالة دون التشريعيّة، فإنّ الإرادة التشريعيّة لا تتعلّق إلّا بفعل المکلّف، وهي مساوقة للأمر به، وقد تعلّق في الآية بفعل اللَّه عزّ وجلّ، فقال: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ...» الآية، مضافاً إلي أنّ إرادته تعالي بالإرادة التشريعيّة للطهارة لا تختصّ بأهل البيت، بل تعمّ جميع المکلّفين.

وبالجملة ما سمّوه في الاصطلاح بالإرادة التشريعيّة ليس إلّا إرادة صدور الفعل عن العبد باختياره المستتبعة لمجرّد أمر المولي عبده بذلک الفعل، من غير أن يصدر من المولي ما يوقعه في الفعل ويلزمه عليه، بل العبد قد يختار عصيانه، وقد يختار طاعته باستقلال إرادته، من غير أن تتوجّه إليه قدرة تقوده إلي الفعل أو الترک.

ومن هنا يعلم أنّ الإرادة التشريعيّة ليست إرادة في الحقيقة، فإنّ الإرادة علي ما عرّفوها: هي کيفيّة نفسانيّة مستتبعة لتحريک العضلات نحو الفعل، وإن کان يجب تجريدها بالنسبة إلي المبادئ العالية عن خصوصيّة کونها کيفيّة عارضة وتجريد فعله عن کونه بتحريک العضلات، فيکون ما يتحقّق من المولي عند التکليف مجرّد إرادة الأمر والإيجاب أو النهي والتحريم، ثمّ إنّ من البديهي أيضاً أنّه ليس المراد من الرجس في الآية الرجس البدني الظاهري، فالمراد منه: الرجس الباطني من الشرک والکفر ودنس الذنب ومعصية اللَّه، وکلّ ما يعدّ رجساً.

فإن قلت: يحتمل أن يراد من التطهير أنّه تعالي غفر ذنوبهم.

قلت: إنّ المغفرة لا تطهّر الدنس الحادث في نفس العاصي، بل إنّما توجب رفع العقوبة عنه ضرورة أنّ مغفرة المعصية لا توجب إنقلابها عمّا وقعت عليها، ألا تري أنّ مغفرة المظلوم لظلم من ظلمه لا يخرج فعله عن القبح، هذا مضافاً إلي أنّ حمل الآية عليها ينافي إطلاق الآية، فإنّ مغفرة الذنب لا تکون إلّا بعد تحقّقه، فالمذنب عند صدور الذنب منه غير مطهّر لعدم إمکان مغفرة الذنب عند الارتکاب به، وإلّا خرج عن کونه ذنباً ولم يصدق عليه عنوانه.

إلي أن قال: فالآية الکريمة دالّة علي عصمتهم من الأرجاس بجميع أنواعها، بالتأکيدات من ذکر لفظة «إِنَّمَا»، وإدخال اللّام في الخبر «لِيُذْهِبَ»، واختصاص الخطاب وتکرير المؤدّي، وإيراد المفعول المطلق بعده، وتنکيره الدالّ علي الاهتمام والتعظيم، وتقديم ما حقّه التأخّر، کتقديم «عَنکُمُ» علي «الرِّجْسَ»، فاُنشدک - أيّها الأخ - أفبعد هذا يبقي لک ريب وشکّ في السند أو الدلالة أو الجهة؟ لا واللَّه العليّ العظيم.[8] .







  1. إشارة إلي حديث: أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله سدّالأبواب إلّاباب عليّ عليه السلام، وقد حرّرناه مفصّلاً في فصل سدّ الأبواب).
  2. الغدير 211:3.
  3. سورة التکوير: 22 - 19.
  4. سورة النجم: 4 و 5.
  5. الفصول المهمّة للسيّد شرف الدين: 207.
  6. المصدر السابق: 217.
  7. الإحقاق 562:2.
  8. الإحقاق 562:2.