في معني (أهل البيت)











في معني (أهل البيت)



وفيه احتمالات:

الأوّل: أهل البيت العتيق ومکّة.

الثاني: أهل البيت المنسوب إلي بيت النبوّة، بحيث يکون شاملاً لأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء و... نساء النبيّ صلي الله عليه و آله.

الثالث: أن يکون (أهل البيت) کناية عن نساء النبيّ صلي الله عليه و آله.

الرابع: أن يکون (أهل البيت) إشارة إلي عدّة خاصّة، وهم المجتمعون تحت الکساء، فلا يشمل غيرهم.

الخامس: أن يکون المراد کلّ من کان علي شاکلة النبيّ صلي الله عليه و آله، سواء کان من أفراد اُسرة النبيّ صلي الله عليه و آله نسباً أو لم يکن، وعلي هذا فمن لم يکن کذلک يخرج، ولو کان من أقرب الأقارب، کما قال اللَّه تعالي: «قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ».[1] .

هذه هي الاحتمالات الممکنة ثبوتاً في هذه الآية الکريمة، أمّا في مقام الإثبات، فالمستفاد من الآيات والروايات هو الاحتمال الخامس من المعاني المحتملة، يعني مَن کان علي شاکلة النبيّ صلي الله عليه و آله، کما يؤيّد هذا الاحتمال الآيات و الروايات. أمّا الآيات فقوله تعالي: «فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ کَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ».[2] خطاباً للنبيّ لوط عليه السلام.

وقوله تعالي: «وَنَادَي نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْکَمُ الْحَاکِمِينَ × قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُکَ أَن تَکُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ»[3] والظاهر من الأهل في هاتين الآيتين - وغيرهما من الآيات المشتملة علي لفظ الأهل - هو مَن کان علي شاکلته.

ويؤيّد ذلک ما ورد في الحديث في تفسير الآية:

عن (العيون): باب ذکر مجلس الرضا عليه السلام مع المأمون في الفرق بين العترة والاُمّة حديث طويل يقول فيه: «أما علمتم أنّه وقعت الوراثة والطهارة علي المصطفين المهتدين دون سائرهم». قالوا: ومن أين يا أبا الحسن؟ قال: «قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ»[4] الآية، فصارت النبوة والکتاب للمهتدين دون الفاسقين، أما عَلِمتُم أنّ نوحاً حين سأل ربّه عزّ وجلّ فقال: «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَکَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْکَمُ الْحَاکِمِينَ»؛ وذلک أنّ اللَّه وعده أن ينجّيه وأهله، فقال له ربّه عزّ وجلّ: «قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ» الآية.[5] .

وعن عمّار الدهني، عن عمرة بنت أفعي، قالت: سمعت اُمّ سلمة تقول:... إلي أن قالت لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله: قلت: ألستُ من أهل البيت؟ قال صلي الله عليه و آله: «إنّک من أزواج النبيّ صلي الله عليه و آله، وما قال: إنّک من أهل البيت.[6] .

و أمّا الروايات: فمنها: ما دلّ علي أنّ أهل البيت عِدل القرآن في أخبار الثقلين بقوله صلي الله عليه و آله: «إنّي تارک فيکم الثقلين: کتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي» - الحديث.[7] .

ومنها: ما ورد من الأخبار في شأن آية المباهلة: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ» الآية، فدعا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم السلام، ثمّ قال صلي الله عليه و آله: «اللّهمّ هؤلاء أهلي».[8] .

وأفرد المحبّ الطبري باباً في (ذخائر العقبي) سمّاه باب في بيان أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين هم أهل البيت المشار إليهم في قوله تعالي: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهِيراً».[9] .

وغير ذلک من الأخبار الّتي تدلّ - صراحةً أو کناية - علي أنّ أهل البيت هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والمعصومون من ذرّيّتهم دون غيرهم.

عن ابن بابويه: بسنده عن موسي الهاشمي بسرّ من رأي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ، عن عليّ عليهم السلام، قال: «دخلت علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في بيت اُمّ سلمة وقد نزلت عليه هذه الآية: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ» الآية، فقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: يا عليّ، هذه الآية فيک، وفي سبطيّ، والأئمّة من ولدک. فقلت: يا رسول اللَّه؟ کم الأئمّة بعدک؟ قال: أنت يا عليّ، ثمّ الحسن، والحسين، وبعد الحسين عليّ ابنه، وبعد عليّ محمّد ابنه، وبعد محمّد جعفر ابنه، وبعد جعفر موسي ابنه، وبعد موسي عليّ ابنه، وبعد عليّ محمّد ابنه، وبعد محمّد عليّ ابنه، وبعد عليّ الحسن ابنه، والحجّة من ولد الحسن، هکذا أسماؤهم علي ساق العرش، فسألت اللَّه تعالي عن ذلک، فقال: يا محمّد، هذه الأئمّة بعدک مطهّرون، معصومون، وأعداؤهم ملعونون».[10] .

وذهب بعض أهل السنّة إلي عدم اختصاص الآية بمن ذکرنا، بل قال بعضهم باختصاصها بغيرهم، وإنّ المراد زوجات النبيّ فقط، وهذا القول نسب إلي عکرمة، ومقاتل وعروة.[11] .

وقال بعضهم: إنّ المراد من أهل البيت المجتمعون تحت الکساء مع النساء، وجميع ذلک مردود بما ذکرناه، وسيأتي في آخر الفصل إيراد حول انحصار الآية في الخمسة الطيّبين مع جوابه...







  1. سورة هود: 46.
  2. سورة الأعراف: 83.
  3. سورة هود: 45 و 46.
  4. سورة الحديد: 26.
  5. تفسير نور الثقلين: ج45 و 46.
  6. مستدرک الحاکم 416:2 و 146:3.
  7. ذکرناه في فصل (عليّ وحديث الثقلين).
  8. صحيح مسلم 1871:4، رقم ح 2404، سنن الترمذي 638:5، ح 3724.
  9. ذخائر العقبي: 24 - 21، مصابيح السنّة 183:4، ح 4795.
  10. الإمامة والولاية في القرآن: 159.
  11. تفسير الدرّ المنثور 168:5.