في معني الإذهاب في الآية











في معني الإذهاب في الآية



الإذهابُ علي قسمين:

فمرّة يطلق ويراد منه إزالة الشي ء عن المحلّ بعد ثبوته، کما يقال: الماء يذهب القذارة والنجاسة. وتارةً يُطلق الإذهاب ويُراد منه دفع الشي ء عن المحلّ قبل عروضه، وإن کان ممکناً في حدّ ذاته لعروضه، کقوله: أذهب اللَّه عنک السوء والبلاء. والإذهابُ في الآية: «لِيُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ» بالمعني الثاني، أي دفع الرجس عنهم قبل عروضه.

قال الشيخ المفيد (رحمة اللَّه عليه) في ذلک: إنّ الخبر عن إرادة اللَّه تعالي إذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم السلام والتطهير لهم لا يفيد إرادة عزيمة أو ضميراً أو قصداً، علي ما يظنّه جماعة ضلّوا عن السبيل في معني إرادة اللَّه عزّ اسمه، وإنّما يفيد إيقاع الفعل الّذي يُذهِبُ الرجس، وهو العصمة في الدين، والتوفيق للطاعة الّتي يقرب بها العبد من ربّ العالمين، وليس يقتضي إذهاب الرجس وجودهُ من قبل، بل قد يذهب بما کان موجوداً، ويذهب بما لم يحصل له وجود للمنع منه. والإذهاب عبارة عن الصرف، وقد يصرف عن الإنسان ما لم يعتره کما يصرف عنه ما اعتراه. ألا تري أنّه يقال في الدعاء: «صرف اللَّه عنک السوء»، فيقصد إلي المسألة منه تعالي عصمته من السوء، دون أن يُراد بذلک الخبر من سوءٍ به، والمسألة في صرفه عنه، وإذا کان الإذهاب والصرف بمعني واحد، فقد بطل ما توهّمه السائل فيه، وثبت أنّه قد يذهب بالرجس عمّن لم يعتره قطّ الرجس علي معني العصمة له منه، والتوفيق لما يبعده من حصوله به، فکان تقدير الآية حينئذٍ: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ...»، الّذي قد اعتري سواکم بعصمتکم منه، ويطهّرکم أهل البيت من تعلّقه بکم علي ما بيّناه.[1] .







  1. المسائل العکبرية للشيخ المفيد - المسألة الاُولي: 26 و 27.