دفع شبهة الجبر











دفع شبهة الجبر



فإن قيل: إنّ الإرادة التکوينيّة بطهارة أهل البيت تقتضي تحقّق امتثال الأوامر والنواهي منهم بلا اختيار، مع أنّهم مکلّفون بلا ريب.

قلنا: إنّ الجواب عن هذه الشبهة ونظائرها واضح؛ لأن الطهارة جاءت تارة بمعني الطهارة الباطنيّة، واُخري بمعني الطهارة الجوارحيّة، أمّا الطهارة الباطنيّة فهي خلوّ باطن الإنسان عن أي شکٍّ وغفلة عن مولاه، بحيث يري نفسه دائماً في حضور مولاه، ولا يُريد إلّا ما أراد مولاه، والاجتناب عمّا لا يرضي مولاه، وهذه الطهارة حاصلة للأنبياء والأوصياء وأهل العصمة بعناية من اللَّه.

وأمّا الطهارة الجوارحيّة، فهي جعل الإنسان حرکاته وتمام شؤونه مطابقة لإرادات مولاه وتکاليفه، وکلّما زادت معرفته زادت طهارته.

ولا يخفي أنّ کلّ فرد من أفراد الإنسان معصومٌ بالنسبة إلي إدراکه؛ لحسن الأفعال وقبحها، فمن اجتنب الميتة لعلمه بضرر أکلها عدّ معصوماً من هذه الجهة، وإن لم يکن معصوماً بالنسبة إلي سائر الأفعال والتروک، ومن اجتنب الخمر والسرقة والکذب أيضاً لعلمه بمفاسد هذه الاُمور عدّ معصوماً عن اختيار بهذا المقدار، وليس جبراً، فمن ترک جميع المحرّمات لعلمه بمساوئها ومضارّها، وأتي بجميع الواجبات لعلمه برضي المولي فلا يعدّ مجبوراً، بل يکون فاعلاً لها عن اختيارٍ، فظهر أنّ الإنسان التارک للکلّ معصوم، کالإنسان التارک للبعض، وکلاهما معصوم عن اختيار، إلّا أنّ عصمته في الأوّل حاصلة بالنسبة إلي کلّ القبائح دون الثاني، والثاني معصوم بالإضافة إلي بعض المعاصي.

والشاهد علي عصمة نبيّ الإسلام صلي الله عليه و آله، وعليّ، وفاطمة، وذرّيّتهما أي الأئمة المعصومين الحسن و الحسين إلي المهدي عليهم السلام قوله تعالي: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ...» الآية، حيث شهد بطهارتهم، وکذا في آية المباهلة جعل عليّاً نفس النبيّ صلي الله عليه و آله، ويزيد عصمة الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام بما جاء في القرآن بقوله سبحانه: «وَآتَيْنَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ».[1] و قوله سبحانه أيضاً: «أُولئِکَ کَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِروحٍ مِنْهُ».[2] .

و الاخبار في ذلک کثيرة نذکر هنا ما رواه في (البحار): عن ابن عبّاس، قال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کان جالساً يوماً وعنده عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال: «اللّهمّ إنّک تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي، وأکرم النّاس عليَّ، فأحبَّ مَن يُحبُّهم، وأبغض مَن يُبغضُهم، ووال مَن والاهم، وعاد مَن عاداهم، وأعِن من أعانهم، واجعلهُم مطهّرين من کلّ رجس، معصومين من کلّ ذنبٍ، وأيّدهم بروح القدس منک» - الحديث.[3] .







  1. سورة البقرة: 88.
  2. سورة المجادلة: 22.
  3. البحار 84:37.