رجوع عليّ إلي الكوفة











رجوع عليّ إلي الکوفة



قال ابن الأثير: ولمّا فرغ عليّ عليه السلام من أهل النهر، حمد اللَّه وأثني عليه وقال: «إنّ اللَّه قد أحسن بکم، وأعزّ نصرکم، فتوجّهوا من فورکم هذا إلي عدوّکم».

قالوا: يا أمير المؤمنين، نفذت نبالنا، وکلّت سيوفنا، ونصلت أسنّة رماحنا، وعاد أکثرها قصداً[1] فارجع إلي مصرنا فلنستعدّ، ولعلّ أمير المؤمنين يُزيد في عدّتنا، فإنّه أقوي لنا علي عدوّنا[2] فأقبل حتّي نزل النُّخيلة، فأمر النّاس أن يلزموا عسکرهم، ويُوطّنوا علي الجهاد أنفسهم، وأن يُقلّوا زيارة أبنائهم ونسائهم حتّي يسيروا إلي عدوّهم، فأقاموا فيه أيّاماً، ثمّ تسلّوا من معسکرهم فدخلوا إلّا رجالاً من وجوه النّاس، وتُرک المعسکر خالياً، فلمّا رأي ذلک دخل الکوفة وانکسر عليه رأيه في المسير وقال لهم أيضاً: «أيّها النّاس، استعدّوا للمسير إلي عدوّکم ومَن في جهاده القُربة إلي اللَّه عزّ وجلّ، ودرک الوسيلة عنده، حياري من الحقّ، جُفاة عن الکتاب، يعمهون في طغيانهم، فأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل، وتوکّلوا علي اللَّه، وکفي باللَّه وکيلاً، وکفي باللَّه نصيراً»، فم ينفروا ولا تيسّروا.

فترکهم أيّاماً حتّي إذا آيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم فسألهم عن رأيهم وما الّذي يُبطئ بهم، فمنهم المعتلّ، ومنهم المتکرّه، وأقلّهم من نشط. فقام فيهم فقال: «عباد اللَّه، ما بالکم إذا أمرتم أن تنفروا «اثَّاقَلْتُمْ إِلَي الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ»[3] بالذلّ والهوان من العزّ خلفاً؟ وکلّما ناديتکم إلي الجهاد دارت أعينکم کأنّکم من الموت في سکرة، وکأنّ قلوبکم مألوسة، وأنتم لا تعقلون، فکأنّ أبصارکم کُمةٌ وأنتم لا تبصرون! للَّه أنتم، ما أنتم إلّا اُسد الشري في الدعة، وثعالب روّاغة حين تُدعون إلي البأس، ما أنتم لي بثقة سيجيس الليالي، ما أنتم برکب يُصال به، لعمر اللَّه لبئس حُشاشُ الحرب أنتم، إنّکم تُکادون ولا تکيدون، وتُنتقص أطرافکم وأنتم لا تتحاشون، ولا يُنام عنکم وأنتم في غفلة ساهون».

ثمّ قال: «أمّا بعد، فإنّ لي عليکم حقّاً، وإنّ لکم عليَّ حقّاً، فأمّا حقّکم عليَّ فالنصيحة لکم ما صحبتکم، وتوفير فيئکم عليکم، وتعليمکم کي لا تجهلوا، وتأديبکم کي تعلّموا، وأمّا حقّي عليکم فالوفاء بالبيعة، والنُّصحُ لي في المغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوکم، والطاعة حين آمرکم، فإن يُرد اللَّه بکم خيراً تنزعوا عمّا أکره، وترجعوا إلي ما اُحبُّ، فتنالوا ما تطلبون، وتدرکوا ما تأملون».[4] .







  1. قصداً، أي قِطعاً متکسّرة.
  2. کان الّذي تولّي کلامه: الأشعث بن قيس.
  3. سورة التوبة: 38.
  4. الکامل في التاريخ 408:2.