ما وقع لعليّ وأصحابه في طريق النهروان











ما وقع لعليّ وأصحابه في طريق النهروان



روي المؤرخين: أنّه أجمع عليّ عليه السلام علي السير إلي الخوارج، وخرج فعبر الجسر وسار إليهم، فلقيه منجّم في مسيره، فأشار عليه أن يسير وقتاً من النهار، فقال له: إن أنت سرتَ في غيره لقيتَ أنت وأصحابک ضرّاً شديداً؟ فخالفه عليّ عليه السلام وسار في الوقت الّذي نهاه عنه، فلمّا فرغ من أهل النهر حمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: «لو سرنا في الساعة الّتي أمر بها المنجّم، لقال الجهّال الذين لا يعلمون شيئاً: سار في الساعة الّتي أمر بها المنجّم فظفر»، وکان المنجّم مسافر بن عفيف الأزدي.[1] .

نقل ابن ابي الحديد عن کتاب الخوارج للمدائني، قال: لمّا خرج عليّ عليه السلام إلي أهل النهروان، أقبل رجل من أصحابه ممّن کان علي مقدّمته يرکض حتّي انتهي إلي عليّ عليه السلام، فقال: البشري يا أمير المؤ«نين، قال: «ما بشراک؟»، قال: إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولک، فأبشر فقد منحک اللَّه أکتافهم[2] فقال له: «اللَّه أنت رأيتهم قد عبروا؟!»، قال: نعم، فأحلفه ثلاث مرّات في کلّها يقول: نعم، فقال عليّ عليه السلام: «واللَّه! ما عبروه ولن يعبروه، وإنّ مصارعهم لدون النطفة[3] والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوازن[4] حتّي يقتلهم اللَّه، وقد خاب من افتري.

قال: ثمّ أقبل فارس آخر يرکض: فقال کقول الأوّل، فلم يکترث عليّ عليه السلام بقوله[5] وجاءت الفرسان ترکض کلّها تقول مثل ذلک، فقام عليّ عليه السلام فجال في متن فرسه.

قال: فيقول شاب من النّاس: واللَّه! لأکوننّ قريباً منه، فإن کانوا عبروا النهر لأجعلنّ سِنانَ هذا الرمح في عينه، أيدّعي علم الغيب! فلمّا انتهي عليه السلام إلي النهر وجد القوم قد کسروا جفون سيوفهم[6] وعرقبوا خيولهم، وجَثوا علي رُکَبهم، وحکّموا تحکيمة واحدة بصوت عظيم له زجل، فنزل ذلک الشاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي کنت شککت فيک آنفاً، وإنّي تائب إلي اللَّه وإليک فاغفر لي، فقال عليّ عليه السلام: «إنّ اللَّه هو الّذي يغفر الذنوب فاستغفره».[7] .







  1. الکامل في التاريخ 404:2.
  2. المِنْحة: العطيّة، وأکتاف: جمع الکِتْف وَالکَتْف والکَتِف: عظم عريض خلف المنکب، ولعلّ هذا کناية عن سلطته عليه السلام علي الخوارج.
  3. أراد عليه السلام بالنطفة: ماء النهر (کما في الخطبة58 من النهج): «مصارعهم دون النطفة».
  4. الأثلاث وقصر بوازن: موضعان بالقرب من النهروان.
  5. اکترث بالأمر: بالي به، يقال: «وهو لا يکترث لهذا الأمر»، أي لا يعبأ به ولا يباليه.
  6. الجَفن: جمع أجفان وجُفون وأجفن: غمد السيف.
  7. شرح ابن أبي الحديد 271:2.