مناظرة عليّ مع الخوارج











مناظرة عليّ مع الخوارج



ولمّا خرج عليّ عليه السلام - بعد مناظرة ابن عبّاس إيّاهم - وقف بإزائهم وقال: «مَن زعيمکم؟»، قالوا: ابن الکوّاء، فقال عليّ: «فما الّذي أخرجکم علينا؟»، قالوا: حکومتکم يوم صفّين، فقال لهم: «ناشدتکم اللَّه، أما قلت لکم يوم رفعوا المصاحف: لا تخالفوني فيهم؟ قلتم: نجيبهم إلي کتاب اللَّه، فقلت: إنّما رفعوها مکيدة وخديعة؟ فقلتم: إن لم تجب إلي کتاب اللَّه قتلناک أو سلّمناک إليهم، فلمّا أبيتم إلّا الکتاب، اشترطت علي الحکمين أن يحکما بکتاب اللَّه، فإن حکما بغير حکم اللَّه والقرآن فنحن بُراء منهم؟»، فقالوا: فکيف حکّمت الرجال؟ فقال: «واللَّه! ما حکّمت مخلوقاً، وإنّما حکّمت القرآن؛ لأنّ القرآن هو خطُّ بين الدفّتين لا ينطق، وإنّما ينطق به الرجال»، فقالوا: صدقت وکفرنا لما فعلنا ذلک، وقد تبنا منه إلي اللَّه، فتب کما تبنا نبايعک وإلّا قاتلناک؟![1] .

عن أبي العبّاس، قال: وسبب تسميتهم الحروريّة، أنّ عليّاً عليه السلام لمّا ناظرهم بعد مناظرة ابن عبّاس إيّاهم، کان فيما قال لهم: «ألاتعلمون أنّ هؤلاء القوم لمّا رفعوا المصاحف قلت لکم: إنّ هذه مکيدة ووهن، وأنّهم لو قصدوا إلي حکم المصاحف لأتوني وسألوني التحکيم! أفتعلمون أنّ أحداً کان أکره للتحکيم منّي؟»، قالوا: صدقت، قال: «فهل تعلمون أنّکم استکرهتموني علي ذلک حتّي أجبتکم إليه، فاشترطت أنّ حکمهما نافذ ما حکما بحکم اللَّه، فمتي خالفاه، فأنا وأنتم من ذلک بُراء، وأنتم تعلمون أنّ حکم اللَّه لا يعدوني». قالوا: اللّهمّ نعم.

قال: وکان معهم في ذلک الوقت ابن الکوّاء، قال: «وهذا من قبل أن يذبحوا عبداللَّه بن خباب»، وإنّما ذبحوه في الفرقة الثانية بکسکر.[2] .

فقالوا له: حکّمت في دين اللَّه برأينا، ونحن مقرّون بأنّا کنّا کفرنا، ولکنّا تائبون، فأقرّ بمثل ما أقررنا به وتب، ننهض معک إلي الشام، فقال: «أما تعلمون أنّ اللَّه تعالي قد أمر بالتحکيم في شقاق بين الرجل وامرأته، فقال سبحانه: «فَابْعَثُوا حَکَماً مِن أَهْلِهِ وَحَکَماً مِن أَهْلِهَا»[3] وفي صيد اُصيب کأرنب يساوي نصف درهم، فقال: «يَحْکُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنکُمْ»[4] فقالوا له: فإنّ عَمراً لمّا أبي عليک أن تقول في کتابک: (هذا ما کتبه عبداللَّه عليّ أمير المؤمنين) محوتَ اسمک من الخلافة، وکتبتَ: (عليّ بن أبي طالب)، فقد خلعت نفسک، فقال: «لي في رسول اللَّه صلي الله عليه و آله اُسوة حين أبي عليه سهيل بن عمرو أن يکتب: هذا کتاب کتبه محمّد رسول اللَّه وسهيل بن عمرو»، وقال له: لو أقررتُ بأنّک رسول اللَّه ما خالفتک، ولکنّي اُقدمّک لفضلک، فاکتب: (محمّد بن عبداللَّه)، فقال لي: يا عليّ، امحُ (رسول اللَّه)، فقلت: يا رسول اللَّه، لا تشجّعني نفسي علي محو اسمک من النبوّة»، قال: «فقضي عليه فمحاه بيده، ثمّ قال: «اکتب: (محمّد بن عبداللَّه)»، ثمّ تبسّم إليَّ، وقال: «يا عليّ، أما أنّک ستسام مثلها فتعطي».

فرجع معه منهم ألفان من حروراء، وقد کانوا تجمّعوا بها، فقال لهم عليّ عليه السلام: «ما نسمّيکم؟»، ثمّ قال: «أنتم الحرورية؛ لاجتماعکم بحروراء».[5] .







  1. المصدر السابق: 96.
  2. کسکر: کورة بين الکوفة والبصرة.
  3. سورة النساء: 35.
  4. سورة المائدة: 95.
  5. شرح ابن أبي الحديد 274:2.