مناظرة ابن عبّاس أهل النهروان











مناظرة ابن عبّاس أهل النهروان



عن هشام بن محمّد، قال: عبداللَّه بن عبّاس لعليّ عليه السلام: لا تعجل إلي قتالهم حتّي أخرج إليهم وأعود، فمضي إليهم فقالوا: ما الّذي جاء بک يابن عبّاس؟ قال: جئتکم من عند المهاجرين والأنصار وابن عمّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وصهره، والقرآن عليهم نزل، وهم أعلم منکم بتأويله، فما الّذي نقمتم علينا؟ قالوا: ثلاث خصال: أحدها: أنّکم حکّمتم الرجال في دين اللَّه، وقد قال اللَّه: «إِنِ الْحُکْمُ إِلَّا للَّهِِ».[1] والثانية: أنّه قاتل ولم يسلب ولم يغنم، فما الّذي أباح دماءهم وحرّم أموالهم؟! والثالثة: أنّه محا اسمه من إمرة المؤمنين، وإذا لم يکن أمير المؤمنين فهو أمير الکافرين.

فقال ابن عبّاس: أنا أنقض قولکم من القرآن، أمّا قولکم: «إنّه حکّم في دين اللَّه»، ألستم تعلمون أنّ اللَّه حکّم الرجال في قيمة أرنب ثمنه ربع درهم، فقال: «يَحْکُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنکُمْ»[2] وقال في المرأة وزوجها: «فَابْعَثُوا حَکَماً مِن أَهْلِهِ وَحَکَماً مِن أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا»[3] فأيّهما أفضل تحکيم الرجال في إصلاح ذات البين وحقن دماء الاُمة، أو تحکيم الرجال في أرنب قيمته ربع درهم وبضع امرأة؟! قالوا: لا، بل هذا.

وأمّا قولکم: «لم يسلب ولم يغنم»، فإن قلت: إنّ عائشة ليست باُمّکم خرجتم من الإسلام، وإن قلتم هي اُمّنا فکيف تسلبون اُمّکم؟ وکذا الجواب في أهل صفّين، فإنّما قوتلوا ليرجعوا إلي الحقّ، لا لتحلّ أموالهم؟ قالوا: صدقت.

وأمّا قولکم: «محا نفسه من إمرة المؤمنين»، فقد فعل هذا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في غزاة الحديبية، فهل خرج بذلک من النبوّة؟! قالوا: صدقت.

فرجع منهم ألفان، وخرج الباقون فقتلوا بالنهر.[4] .







  1. سورة الأنعام: 57، وسورة يوسف: 40 و 67.
  2. سورة المائدة: 95.
  3. سورة النساء: 35.
  4. تذکرة الخواصّ: 95.