من هم أهل النهروان؟











من هم أهل النهروان؟



هم المارقون[1] وهم الخوارج الذين خرجوا علي إمام المسلمين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وبغوا عليه، وکانوا إلي يوم النهروان من شيعة عليّ عليه السلام وجاهدوا في رکابه ولم يکونوا من الناکثين ولا من أيادي معاوية، بل کانوا في رکابه عليه السلام في الجمل وصفّين، يعتقدون بالإسلام والقرآن والإمامة، لکن منشأ هذا الانحراف فيهم أنّه کان من صفاتهم: الجهل، والتعصّب، والخشونة، والتحجّر، وعدم إدراک الواقع، وعدم تمييز الحقّ عن الباطل، وعدم البصيرة في الواقعيّات والمصالح الموجودة، ولا يستضيئون ممّن هو أهل لذلک، أعني عليّاً عليه السلام.

ومن صفاتهم الاُخري أنّهم سريعو التأثّر، ويخدعون بالشائعات، ومَثَلُهُم کما في الحديث: «همجٌ رِعاع، يَمِيلونَ مع کلِّ رِيح».

ومن صفتهم الثالثة أنّه تتزلزل عقيدتهم بمجرّد رؤية شي ء يوجب الشکّ والترديد، ولذا رأيناهم في صفّين حين غلبة الأشتر علي جيش معاوية وتقرّبه من مضرب معاوية، وتمسّک معاوية بحيلة رفع المصاحف الکريمة بالرماح، سلّموا وتردّدوا في اعتقادهم بعليّ عليه السلام، وأشاروا علي عليّ عليه السلام بأنّه لا يجوز السيف علي القرآن، ومهما أصرّ عليّ عليه السلام: «بأنّي أنا القرآن الناطق، وهذه حيلة أحدثها معاوية وعمرو بن العاص»، لم يقبلوا منه وأجبروا عليّاً عليه السلام بأن يأمر مالک الأشتر أن يرجع ويوقف الحرب.

ومن صفاتهم أيضاً التحجّر والتمسّک بالظواهر، ولم يتوجّهوا إلي بواطن الاُمور والحقائق، بل توجّهوا إلي ظاهر القرآن، ولم يتوجّهوا إلي حقيقة القرآن المتجسّدة في عليّ عليه السلام.

ونتيجة هذا العمل ضعف جانب عليّ عليه السلام وتقوية معاوية وجيشه، ثمّ أصروا علي عليّ عليه السلام بقبول التحکيم وبعث أبي موسي الأشعري، وجري ما جري، وکان نتيجة ذلک عزل إمام المسلمين عن إمامته من قِبل أبي موسي، وتثبيت معاوية علي حکومته من قِبل عمرو بن العاص.

ثمّ التفت الخوارج إلي أنّ حاصل التحکيم والحکومة کانت في ضررهم وضرر الإسلام، فهجموا علي عليّ عليه السلام وقالوا: نحن لا نفهم، فلماذا أصغيت - يا عليّ - لنا؟ فيجب عليک أن تتوب ممّا عملت، ولم يکتفوا بذلک بل قالوا: لا بدّ أن تعترف بالذنب والکفر ثمّ تتوب!

ومعلوم أنّ هذا الاعتراف من عليّ عليه السلام لا يمکن أن يکون؛ لأنّه لم يذنب بل - کما وصفه هو - أنّه خطأ سياسي فُرض عليه ولم يرض به، وهو حاصل من إصرار نفس الخوارج لا بميل عليّ (صلوات اللَّه عليه).

غير أنّ هؤلاء الحمقي المتعصّبين الجهلاء لم يقبلوا من عليّ ووقفوا بوجهه عليه السلام، وفرّقوا صفوف المسلمين، فأصبح أنصار عليّ عليه السلام بالأمس أعداءه اليوم، فصاروا سبباً لضعف الإسلام المحمّدي الأصيل وتقوية الکفر، أي معاوية ومَن بعده من الحُکّام الظلمة.

وأخيراً اجتمع أربعة آلاف نفر من المصلّين المتنسّکين في النهروان، وقال عليّ عليه السلام: «واللَّهِ لا يَفلُتْ مِنْهُمْ عَشْرة، وَلا يهلک مِنکم عشرة»[2] وکان الجهاد عليهم وقتلهم ثواباً وحسنة، ومن أفضل الجهال الشهادة في رکابه عليه السلام.[3] .







  1. کلمة المارق مأخذوة من حديث نبوي نقله مسلم بن الحجّاج في صحيحه وأبو داود، عن زيد بن وهب - کان في الجيش الّذي کان مع عليّ عليه السلام - فقال عليّ عليه السلام: «أيّها النّاس، إنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: يخرج قوم من اُمّتي يقرؤون القرآن ليس قراءتکم إلي قراءتهم بشي ء، ولا صلاتکم إلي صلاتهم بشي ء، ولا صيامکم إلي صيامهم بشي ء، يقرؤون القرآن يحسبون أنّه لهم وهو عليهم، ولا يجاوز قراءتهم تراقيهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرمية» - راجع: شرح نهج البلاغة للخوسي 120:4، وشرح ابن أبي الحديد 266:2 و 269.
  2. نهج البلاغة، الخطبة 58.
  3. في شرح ابن أبي الحديد (265:2 و 267): قد تظافرت الأخبار حتّي بلغت حدّ التواتر بما وعد اللَّه تعالي قاتلي الخوارج من الثواب علي لسان رسوله صلي الله عليه و آله، وفي بعض الصحاح أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: «يقتلهم أولي الفريقين بالحقّ»، وسيأتي کلام عليّ عليه السلام في ذلک.