نقاش الحكمين ونتيجة التحكيم وخدعة عمرو لأبي موسي











نقاش الحکمين ونتيجة التحکيم وخدعة عمرو لأبي موسي



روي أهل السير والتاريخ: أنّه لمّا اجتمع الحکمان قال عمرو: يا أبا موسي، ألستتعلم أنّ عثمان قُتل مظلوماً؟ قال أبو موسي: أشهد. قال عمرو: ألست تعلم أنّ معاوية وآل معاوية أولياؤه؟ قال أبو موسي: بلي، قال عمرو: فما يمنعک منه وبيته في قريش کما قد علمتَ؟ فإن خفت أن يقول النّاس: ليست له سابقة، فقل: وجدته وليّ عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه، الحسن السياسة والتدبير، وهو أخو اُمّ حبيبة زوج رسول اللَّه وکاتبه، وقد صحبه وعرض له بسلطان.

فقال أبو موسي: يا عمرو، اتّق اللَّه، فأمّا ما ذکرت من شرف معاوية، فإنّ هذا ليس علي الشرف تولّاه أهله، إلي أن يقال: وأمّا تعريضک لي بالسلطان، فواللَّه لو خرج معاوية لي من سلطانه کلّه لما ولّيته، وما کنتُ لأرتشي في حکم اللَّه، ولکنّک إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطّاب؟ قال له عمرو: فما يمنعک من ابني وأنتم تعلم فضله وصلاحه؟ فقال: إنّ ابنک رجلُ صدق، ولکنّک قد غمسته في هذه الفتنة. فقال عمرو: إنّ هذا الأمر لا يصلح إلّا لرجل يأکل ويطعم، وکانت في ابن عمر غفلة، وکان عمرو قد عوّد أبا موسي أن يقدّمه في الکلام يقول له: أنت صاحب رسول اللَّه، وأسنّ منّي، فتکلّم، وتعوّد ذلک أبو موسي، وأراد عمرو بذلک کلّه أن يقدّمه في خلع عليّ عليه السلام، فلمّا أراده عمرو علي ابنه وعلي معاوية فأبي، وأراد أبو موسي ابن عمر فأبي عمرو، قال له عمرو: خبّرني ما رأيک؟ قال: أري أن تخلع هذين الرجلين ونجعل الأمر شوري فيختار المسلمون لأنفسهم مَن أحبّوا، فقال عمرو: الرأي ما رأيت، فأقبلا إلي النّاس وهم مجتمعون، فقال عمرو: يا أبا موسي، أعلمهم إنّ رأينا قد اتّفق، فتکلّم أبو موسي، فقال: إنّ رأينا قد اتّفق علي أمر نرجو أن يُصلح اللَّهُ به أمر هذه الاُمّة، فقال عمرو: صَدَقَ وبرّ، تقدّم يا أبا موسي فتکلّم، فتقدّم أبو موسي فقال له ابن عبّاس: ويحک! إنّي لأظنّه قد خدعک، إن کنتما اتّفقتما علي أمرٍ فقدمه فليتکلّم به قبلک ثمّ تکلّم به بعده، فإنّه رجل غادر ولا آمن أن يکون قد أعطاک الرضا بينکما، فإذا قمتَ في النّاس خالفک؟ وکان أبو موسي مغفّلاً، فقال: إنّا قد اتّفقنا.

ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّا قد نظرنا في أمر هذه الاُمّة، فلم نرَ أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أمر قد أجمع رأيي ورأي عمرو عليه، وهو أن نخلع عليّاً ومعاوية، ويُولّي النّاس أمرهم مَن أحبّوا، وإنّي قد خلتُ عليّاً ومعاوية، فاستقبلوا أمرکم، وولّوا عليکم من رأيتموه أهلاً، ثمّ تنحّي.

وأقبل عمرو بن العاص، فقام وقال: إنّ هذا قد قال ما سمعتموه، وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه کما خلعه، واُثبت صاحبي معاوية، فإنّه ولي ابن عفّان، والطالبُ بدمه، وأحقّ النّاس بمقامه.

إلي أن قال: وقال عبدالرحمن بن أبي بکر: لو مات الأشعري قبل هذا اليوم لکان خيراً له.

وقال أبو موسي الأشعري لعمرو بن العاص: لا وفّقک اللَّه، غدرتَ وفجرتَ، إنّما مثلک «کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ يَلْهَثْ».[1] و قال عمرو لأبي موسي: إنّما مثلک «کَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً»[2] فحمل شريح بن هاني علي عمرو فضربه بالسوط، وحمل ابن عمرو علي شريح فضربه بالسوط أيضاً، وحجز النّاس بينهم، وکان شريح يقول بعد ذلک: ما ندمتُ علي شي ء ندامتي علي ضرب عمرو بالسوط ولم أضربه بالسيف.[3] .







  1. سورة الأعراف: 176.
  2. سورة الجمعة:5.
  3. الکامل في التاريخ 395:2، وراجع: مروج الذهب 411:2.