ذكر الحكمين وبدء التحكيم











ذکر الحکمين وبدء التحکيم



نقل ابن الأثير في تاريخه: جاء الأشعث بن قيس إلي عليّ عليه السلام فقال: أري النّاس قد رضوا بما دعوهم إليه من حکم القرآن، فإن شئت أتيتُ معاوية فسألته ما يريد؟

قال عليه السلام: «ائته»، فأتاه فقال لمعاوية: لأي شي ءٍ رفعتم هذه المصاحف؟ قال معاوية: لنرجع نحن وأنتم إلي ما أمر اللَّه به في کتابه، تبعثون رجلاً ترضون به، ونبعث رجلاً نرضي به، نأخذ عليهما أن يعملا بما في کتاب اللَّه لا يعدوانه، ثمّ نتّبع ما اتّفقنا عليه!! قال له الأشعث: هذا هو الحقّ، فعاد إلي عليّ عليه السلام فأخبره، فقال النّاس: قد رضينا وقبلنا. فقال أهل الشام: قد رضينا عَمراً. وقال الأشعث واُولئک القوم الذين صاروا خوارج: إنّا قد رضينا بأبي موسي الأشعري.

فقال عليّ عليه السلام: «قد عصيتموني في أوّل الأمر فلا تعصوني الآن، لا أري أنّ اُوَلِّي أبا موسي».

فقال الأشعث وزيد بن حُصين ومِسعَر بن فَدکي: لا نرضي إلّا به، فإنّه قد حذَّرنا ما وقعنا به.

قال عليّ عليه السلام: «فإنّه ليس بثقة، قد فارقني وخذَّل النّاس عنّي، ثمّ هرب منّي حتّي أمنته بعد أشهر، ولکن هذا ابن عبّاس اُوَلِّيه ذلک»، قالوا: واللَّه لا نبالي أنت کنت أم ابن عبّاس! لا نريد إلّا رجلاً هو منک ومن معاوية سواء، قال عليّ عليه السلام: «فإنّي أجعل الأشتر»، قالوا: وهل سعّر الأرض غير الأشتر؟ فقال: «قد أبيتم إلّا أبا موسي؟»، قالوا: نعم. قال: «فاصنعوا ما أردتم».

فبعثوا إلي أبي موسي الأشعري، وقد اعتزل القتال وهو بِعُرُضٍ، فأتاه مولي له فقال: إنّ النّاس قد اصطلحوا. فقال: الحمد للَّه، قال: قد جعلوک حکماً؟ قال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون، وجاء أبو موسي حتّي دخل العسکر... وحضر عمرو بن العاص عند عليّ عليه السلام ليکتب القضيّة بحضوره، فکتبوا:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم: هذا ما تقاضي عليه أمير المؤمنين، فقال عمرو بن العاص: اکتب اسمه واسم أبيه، هو أميرکم وأمّا أميرنا فلا.

فقال الأحنف: لا تمح اسم إمارة المؤمنين، فإنّي أخافُ إن محوتها أن لا ترجع إليک أبداً، لا تمحها وإن قتل النّاس بعضهم بعضاً، فأبي ذلک عليّ عليه السلام مليّاً من النّهار، ثمّ إنّ الأشعث قال: امح هذا الاسم، فَمُحي.

فقال عليّ عليه السلام: «اللَّه أکبر! سنّة بسنّة، واللَّه إنّي لکاتب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم الحديبية فکتبتُ: محمّد رسول اللَّه، وقالوا: لستَ برسول اللَّه؟! ولکن اکتب اسمک واسم أبيک، فأمرني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بمحوه، فقلت: لا أستطيع، فقال: أرنيه؟ فأريته، فمحاه بيده وقال: إنّک ستدعي إلي مثلها فتجيب».

فقال عمرو بن العاص: سبحان اللَّه! أنُشَبَّه بالکفّار ونحن مؤمنون! فقال عليّ عليه السلام: «يابن النابغة، ومتي لم تکن للفاسقين وليّاً، وللمؤمنين عدوّاً؟»، فقال عمرو (لعنه اللَّه): واللَّه! لا يجمع بيني وبينک مجلس بعد هذا اليوم أبداً، فقال عليّ عليه السلام: «إنّي لأرجو أن يطهّر اللَّه مجلسي منک ومن أشباهک».

وکُتب الکتاب: «هذا ما تقاضي عليه عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضي عليّ عليهماالسلام علي أهل الکوفة ومَن معهم، وقاضي معاوية علي أهل الشام ومَن معهم: إنّنا ننزل عند حکم اللَّه وکتابه، وأن لا يجمع بيننا غيره، وأنّ کتاب اللَّه بيننا من فاتحته إلي خاتمته، نحيي ما أحيا، ونميت ما أمات، فما وجد الحَکَمان في کتاب اللَّه - وهما أبو موسي الأشعري عبداللَّه بن قيس، وعمرو بن العاص - عملا به، وما لم يجداه في کتاب اللَّه فالسنّة العادلة الجامعة غير المفرِّقة... وأجل القضاء إلي رمضان وإن أحبّا أن يؤخّرا ذلک أخّراه، وإنّ مکان قضيتهما مکان عدل بين أهل الکوفة وأهل الشام».[1] .







  1. الکامل في التاريخ 388:2.