بدء القتال، وما جري بين عليّ وعمّار و مقتله











بدء القتال، وما جري بين عليّ وعمّار و مقتله



روي المسعودي في (مروج الذهب) قال (ما ملخّصه): وأصبح عليّ عليه السلام يوم الأربعاء - وکان أوّل يوم من صفر سنة 37ه - فعبّأ الجيش، وأخرج الأشتر أمام النّاس، وأخرج إليه معاوية - وقد تصافّ أهل الشام وأهل العراق - حبيب بن مسلمة الفهري، وکان بينهم قتال شديد جلّ النهار وانصرفوا.

فلمّا کان يوم الخميس - وهو اليوم الثاني - أخرج عليّ عليه السلام هاشم بن عتبة، وکان من شيعة عليّ عليه السلام، وأخرج إليه معاوية أبا الأعور السلمي فکانت بينهم الحرب سجالاً، وانصرفوا في آخر يومهم عن قتلي کثيرة.

وأخرج عليّ عليه السلام في اليوم الثالث - وهو يوم الجمعة - أبا اليقظان عمّار بن ياسر في عدّة من البدريّين وغيرهم من المهاجرين والأنصار، وأخرج إليه معاوية عمرو بن العاص في تَنوخ وبَهْرَاء وغيرهما من أهل الشام، فکانت بينهم الحرب سِجالاً إلي الظهر، ثمّ حمل عمّار بن ياسر فيمن ذکرنا، فأزال عَمراً عن موضعه وألحقَه بعکسر معاوية، وأسفرت عن قتلي کثيرة من أهل الشام ودونهم من أهل العراق.

وأخرج عليّ عليه السلام في اليوم الرابع - وهو يوم السبت - ابنه محمّد بن الحنفيّة في همدان وغيرها، وأخرج إليه معاوية عبيداللَّه بن عمر بن الخطّاب، في حمير ولخم وجُذام فاقتتلوا في ذلک اليوم، وکانت علي أهل الشام، ونجا ابن عمر في آخر النهار هرباً.

وأخرج عليّ عليه السلام يوم الأحد عبداللَّه بن العبّاس، وأخرج إليه معاوية الوليد بن عقبة بن أبي معيط و... حتّي خرج عليّ عليه السلام في اليوم الثامن بنفسه في الصحابة من البدريّين وغيرهم من المهاجرين والأنصار وربيعة وهمدان، وخرج معاوية في عدد أهل الشام فانصرفوا عند المساء وکلّ غير ظافر.

وکذا خرج عليّ عليه السلام يوم التاسع، وهو يوم الخميس، ومعاوية أيضاً، واقتتلوا وکثرت القتلي في ذلک اليوم... واشتعلت نار الحرب وقتل کثيرون من أصحاب عليّ وجنود معاوية في صفّين حتّي قتل عمّار بن ياسر.[1] .

روي الطبري عن أبي مخنف: عن عبداللَّه بن أبي حرّ الحنفي، قال: إنّ عمّار بن ياسر خرج إلي النّاس فقال: اللّهمّ إنّک تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاک في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللّهمّ إنّک تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاک في أن أضع ظُبة سيفي في صدري ثمّ أنحني عليها حتّي تخرج من ظهري لفعلت، وإنّي لا أعلم اليوم عملاً هو أرضي لک من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم أنّ عملاً من الأعمال هو أرضي لک منه لفعلته.

وقال الأزدي: سمعت عمّاراً يقول: واللَّه! إنّي لأري قوماً ليضربنّکم ضرباً يرتاب منه المبطلون، وأيم اللَّه! لو ضربونا حتّي يبلغوا بنا سعفات هجر[2] لعلمنا أنّا علي الحقّ، وأنّهم علي الباطل.[3] .

وروي المسعودي علي نحو ما تقدّم، ثمّ قال: وتقدّم عمّار فقاتل، ثمّ رجع إلي موضعه فاستسقي، فأتته امرأة من نساء بني شيبان من مصافّهم بعُسٍّ فيه لبن فدفعته إليه، فقال: اللَّه أکبرُ، اليوم ألقي الأحبّة تحت الأسنّة، صدق الصادق، وبذلک أخبرني الناطق، وهو اليوم الّذي وُعدتُ فيه، ثمّ قال: أيّها النّاس، هل من رائح إلي اللَّه تحت العوالي؟ والّذي نفسي بيده، لنقاتلنّهم علي تأويله کما قاتلناهم علي تنزيله، وتقدّم وهو يقول:


نحن ضربناکم علي تنزيله
فاليوم نضربکم علي تأويله


ضرباً يُزيل الهام عن مَقيله
ويُذهل الخليلَ عن خليله


أو يرجعَ الحقّ إلي سبيله

فتوسّط القوم، واشتبکت عليه الأسنّة، فقتله أبو العادية العاملي، وابن جَون السکسکي، وختلفا في سلبه، فاحتکما إلي عبداللَّه بن عمرو بن العاص، فقال لهما: اُخرجا عنّي، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «ووَلَعَتْ قريش بعمّار، ما لهم ولعمّار؟ يدعوهم إلي الجنّة ويدعونه إلي النّار»، وکان قتله عند المساء، وله ثلاث وتسعون سنة، وقبره بصفّين، وصلّي عليه عليّ عليه السلام ولم يغسّله.[4] .

وفي (تاريخ الطبري): عن حبّة بن جوين العرني، قال: انطلقت أنا وأبو مسعود إلي حذيفة بالمدائن، فدخلنا عليه، فقال: مرحباً بکما ما خلفتما من قبائل العرب أحداً أحبّ إليَّ منکما فأسندته إلي أبي مسعود، فقلنا: يا أبا عبداللَّه، حَدّثْنا فإنّا نخاف الفتن؟ فقال حذيفة: عليکما بالفتنة الّتي فيها ابن سميّة - يعني عمّار - إنّي سمعتُ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «قتلته الفئة الباغية، الناکبة عن الطريق، وإنّ آخر رزقه ضياح[5] من لبن»، قال حبّة: فشهدته يوم صفّين وهو يقول: ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا، فاُتي بضياح من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء، فلمّا أخطأ حذيفة مقياس شعرة، فقال: اليوم ألقي الأحبّة محمّداً وحزبه، واللَّه لو ضربونا حتّي يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ وأنّهم علي الباطل، وجعل يقول: الموت تحت الأسل[6] والجنّة تحت البارقة.[7] .

وقال السدّي: فبلغني أنّ معاوية قال: إنّما قتله من أخرجه، يخدع بذلک طغام أهل الشام.[8] .

و روي ابن الأثير عن عبدالرحمن السُّلمي، قال: لمّا قُتِل عمّار، دخلتُ عسکر معاوية لأنظر هل بلغ منهم قتل عمّار ما بلغ منّا، وکنّا إذا ترکنا القتال تحدّثوا إلينا وتحدّثنا إليهم، فإذا معاوية وعمرو وأبو الأعور وعبداللَّه بن عمرو يتسايرون، فأدخلتُ فرسي بينهم لئلّا يفوتني ما يقولون، فقال عبداللَّه لأبيه: يا أبه، قتلتم هذا الرجل في يومکن هذا، وقد قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ما قال، قال: وما قال رسول اللَّه؟ قال: ألم يکن المسلمون ينقلون في بناء مسجد النبيّ صلي الله عليه و آله لَبنة لَبنة، وعمّار لَبِنتين لَبِنتين فغشي عليه، فأتاه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول لعمّار: «ويحک - يابن سميّة - النّاس ينقلون لَبِنة لَبِنة وأنت تنقل لَبِنتين لَبِنتين رغبة في الأجر، وأنت مع ذلک تقتلک الفئة الباغية، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أما تسمع ما يقول عبداللَّه؟ قال: وما يقول؟ فأخبره.

فقال معاوية: أنحن قتلناه؟ إنّما قتله من جاء به، فخرج النّاس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون: إنّما قتل عمّار من جاء به، فلا أدري من کان أعجب، أهو أم هم.[9] .

وفي رواية: فبلغ ذلک عليّاً عليه السلام فقال: «ونحن قتلنا حمزة؛ لأنّا أخرجناه إلي اُحد!!»[10] .







  1. راجع: مروج الذهب 392 - 387: 2.
  2. السعفات: جمع سعفة، وهي أغصان النخيل، وإنّما خصّ هَجَر للمباعدة في المسافة؛ ولأنّها موصوفة بکثرة النخيل - نهاية ابن الأثير 368:2.
  3. تاريخ الطبري 26:4.
  4. مروج الذهب 391:2.
  5. الضياح: اللبن الخاثِر، يُصبّ فيه الماء ثمّ يُخلط - نهاية ابن الأثير 107:3.
  6. الأسل: الرماح الطوال، وقد جعلها کناية عن الرماح والنبل معاً - النهاية 49:1.
  7. تاريخ الطبري 27:4.
  8. أعيان الشيعة 498:1. في نهاية ابن الأثير: في حديث عن عليّ عليه السلام: «يا طَغام الأحلام، أي يا من لا عقل له ولا معرفة، وقيل: هم أوغاد النّاس وأراذلهم».
  9. الکامل في التاريخ 382:2، وراجع نحوه في تذکرة الخواصّ: 90.
  10. تذکرة الخواصّ: 90.