ارسال عليّ صعصعة إلي معاوية ليُخَلِّيَ بينه وبين الفرات











ارسال عليّ صعصعة إلي معاوية ليُخَلِّيَ بينه وبين الفرات



روي جمع من اهل السير و التاريخ: عن يوسف بن يزيد، عن عبداللَّه بن عوف الأحمر، قال: لمّا قدمنا علي معاوية وأهل الشام بصفّين وجدناهم قد نزلوا منزلاً اختاروه مستوياً بساطاً واسعاً، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم... ففزعنا إلي أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرناه بذلک، فدعا صعصعة بن صوحان، فقال: «ائت معاوية، وقل له: إنّا سرنا إليک مسيرنا هذا وإليکم، ونحن نکره قتالکم قبل الإعذار إليکم، وإنّک قدّمت خيلک فقاتلتنا قبل أن نقاتلک، وبدأتنا بالحرب، ونحن ممّن رأينا الکفَّ حتّي ندعوک ونحتجّ عليک، وهذه اُخري قد فعلتموها، قد حُلْتُم بين النّاس وبين الماء، فخلِّ بينهم وبينه حتّي ننظر فيما بيننا وبينکم، وفيما قدمنا له وقدمتم له، وإن کان أحبّ إليک أن ما جئتنا له وندع النّاس يقتتلون حتّي يکون الغالب هو الشارب، فعلنا».

فلمّا مضي صعصعة برسالته إلي معاوية، قال معاوية لأصحابه: ما ترون؟

فقال الوليد بن عقبة: امنعهم الماء کما منعوه ابن عفّان، حصروه أربعين يوماً يمنعونه بَرْدَ الماء ولين الطعام، اقتلهم عطشاً قتلهم اللَّه!

وقال عمرو بن العاص: خَلّ بين القوم وبين الماء فإنّهم لن يعطشوا وأنتَ رَيّان، ولکن لغير الماء فانظر فيما بينک وبينهم، وأعاد الوليد مقالته.

وقال عبداللَّه بن سعيد بن أبي سرح - وکان أخا عثمان من الرضاعة -: امنعهم الماء إلي الليل، فإنّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا، وکان رجوعهم هزيمتهم، امنعم الماء، منعهم اللَّه يوم القيامة!

فقال صعصعة بن صوحان: إنّما يمنعه اللَّه يوم القيامة الفجرة الکفرة شربة الخمر، ضربک[1] و ضرب هذا الفاسق، يعني الوليد بن عقبة، فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهدّدونه، فقال معاوية: کفّوا عن الرجل، فإنّما هو رسول، قال عبداللَّه بن عوف بن أحمر: إنّ صعصعة لمّا رجع إلينا حدّثنا بما قال معاوية، وما کان منه، وما ردّه عليه، قلنا: وما الّذي ردّه عليک معاوية؟ قال: لمّا أردتُ الانصراف من عنده، قلت: ما ترد عليَّ؟ قال: سيأتيکم رأيي، قال: فواللَّه ما راعنا إلّا تسوية الرجال والصفوف والخيل، فأرسل إلي أبي الأعور، امنعهم الماء، فازدلفنا واللَّه إليهم، فارتمينا واطّعنّا بالرماح، واضطربنا بالسيوف، فطال ذلک بيننا وبينهم حتّي صار الماء في أيدينا فقلنا: لا واللَّه! لا نسقيهم، فارسل إلينا عليّ عليه السلام: أن خذوا من الماء حاجتکم، وارجعوا إلي معسکرکم، وخلّوا بينهم وبين الماء، فإنّ اللَّه قد نصرکم عليهم بظلمهم وبغيهم.[2] .







  1. ضربک: أي مثلک.
  2. تاريخ الطبري 569:3، وشرح ابن أبي الحديد 317:3، والکامل في التاريخ 364:2.