سبب واقعة صفّين











سبب واقعة صفّين



لمّا انتهت حرب الجمل في البصرة ووضعت الحرب أوزارها، ورجع عليّ عليه السلام إلي الکوفة مظفّراً منصوراً، أرسل إلي جرير بن عبداللَّه البجلي، وکان عاملاً علي همدان استعمله عثمان، وإلي الأشعث بن قيس، وکان علي أذربيجان استعمله عثمان أيضاً، يأمرهما بأخذ البيعة والحضور عنده، وحضر جرير والأشعث عند عليّ عليه السلام.

وأراد عليّ عليه السلام أن يبعث إلي معاوية رسولاً، فقال له جرير بن عبداللَّه البجلي: ابعثني إليه، فإنّه لم يزل لي مستنصحاً، فأدعوه إلي أن يسلّم لک الأمر علي أن يکون أميراً من اُمرائک، وعاملاً من عمّالک ما عمل بطاعة اللَّه، وأدعو أهل الشام إلي طاعتک وجلّهم قومي وأهل بلادي، وقد رجوت أن لا يعصوني، فقال له الأشتر: لا تبعثه، فواللَّه إنّي لأظنّ هواه هواهم، فقال له عليّ عليه السلام: «دعه حتّي ننظر ما يرجع به إلينا»، فبعثه وقال له: «إنّ حولي من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله من أهل الدين والرأي مَن قد رأيت، وقد اخترتک عليهم، ائت معاوية بکتابي، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلّا فانبذ إليه وأعلمه أنّي لا أرضي به أميراً».[1] .

و عنه أيضاً عن المبرّد أنّه قال: إنّ جريراً قال له: واللَّه - يا أمير المؤمنين - ما ادّخرک من نصرتي شيئاً، وما أطمع لک في معاوية، فقال عليّ عليه السلام: «إنّما قصدي حجّة اُقيمها».

فانطلق جرير حتّي أتي الشام ودخل علي معاوية فقال:

أمّا بعد - يا معاوية - فإنّه قد اجتمع لابن عمّک أهل الحرمين وأهل المصرين، وأهل الحجاز، واليمن، ومصر، وأهل العروض، وعمان، وأهل البحرين، واليمامة، ولم يبق إلّا هذه الحصون الّتي أنت بها، لو سال عليها سيل من أوديته أغرقها، وقد أتيتک أدعوک إلي ما يرشدک ويهديک إلي مبايعة هذا الرجل، ودفع إليه کتاب عليّ بن أبي طالب، وفيه:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم، أَمَّا بَعْدُ.. فَإِنَّ بَيْعَتِي بِالْمَدِينَةِ لَزِمَتْکَ وَأَنْتَ بِالشَّامِ؛ لِأَنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَکْر وَعُمَر وَعُثْمَان عَلي مَا بُويِعُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَکُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ... وَإِنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيرَ بَايَعَانِي ثُمَّ نَقَضَا بَيْعَتِي، وَکَانَ نَقْضُهُمَا کَرِدَّتِهِمَا، فَجَاهَدْتُهُمَا عَلي ذ لِکَ حَتَّي جَاءَ الْحَقُّ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ کَارِهُونَ.

فَادخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، فَإِنَّ أَحَبَّ الْاُمُورِ إِلَيَّ فِيکَ الْعَافِيَةَ، إِلَّا أَنْ تَتَعَرَّضَ لِلْبَلَاءِ، فَإِنْ تَعَرَّضْتَ لَهُ قَاتَلْتُکَ وَاسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ عَلَيْکَ....» إلي آخر الکتاب.[2] .

وجمع معاوية بعض مشاهير قومه، وأمرهم بإشاعة هذا الخبر فيما بين النّاس: أنّ عليّاً قتل عثمان، ومعاوية وليّ دم عثمان، فيجب الطلب بثأر عثمان ودمه، وأعانه علي هذه الفکرة عمرو بن العاص، واشترط علي معاوية أنّه إذا بايعه وأعانه علي حرب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأخرجوا مصر من سلطة أمير المؤمنين عليه السلام يکون عمرو بن العاص والياً عليها، فبايعه علي ذلک، وبايع أهل الشام معاوية أيضاً.

قال الطبري في رواية، فسار جرير إلي معاوية، فلمّا قدم عليه ماطله واستنظره واستشار عَمراً فأشار عليه أن يجمع أهل الشام، ويُلزم عليّاً دم عثمان ويقاتله بهم، ففعل معاوية ذلک، وکان أهل الشام لمّا قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الّذي قُتل فيه مخضوباً بالدم بأصابع زوجته - نائلة - إصبعان منها وشي ء من الکفّ وإصبعان مقطوعتان من اُصولهما ونصف الإبهام، وضع معاوية القميص علي المنبر وجمع الأجناد إليه، فبکوا علي القميص مدّة، وهو علي المنبر والأصابع معلّقة فيه، وأقسم رجال من أهل الشام أن لا يمسّهم الماء إلّا للغسل من الجنابة، وأن يناموا علي الفرش حتّي يقتلوا قتلة عثمان، ومن قام دونهم قتلوه، فلمّا عاد جرير بن عبداللَّه إلي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أخبره خبر معاوية واجتماع أهل الشام معه علي قتاله، وأنّهم يبکون علي عثمان ويقولون: إنّ عليّاً قتله وآوي قتلته، وإنّهم لا ينتهون عنه حتّي يقتلهم أو يقتلوه.[3] .







  1. أعيان الشيعة 467:1.
  2. أعيان الشيعة 467:1.
  3. تاريخ الطبري 561:3، وفي الکامل في التاريخ 359:2، نحوه.