نظرة في حرب صفّين











نظرة في حرب صفّين



تعدّ حرب صفّين إحدي الحروب العظيمة الّتي وقعت في الإسلام، وخلّفت وراءها الخسائر الجسيمة في الأموال والأرواح، حيث سقط فيها علي ما روي (110 - 70 ألف) قتيل... تلک الحرب الّتي دامت لأشهر وترکت من الجرحي ما يفوق القتلي، وشغلت الدولة الإسلاميّة بالمسائل الداخليّة والحرب الأهليّة المدمّرة، وهدرت القوي وبدّدتها، فهل کان معاوية والمخطّطون لهذه الحرب يطالبون بدم عثمان حقّاً؟! وهل إنّ المسلمين قد أثاروا حرب صفّين من أجل نصرة الإسلام والدفاع عن عثمان؟! وهل کان من الضروري أن يقتل 110 آلاف مسلم من أجل المطالبة بدم عثمان؟!

ألم يکن عثمان ذلک الحاکم الّذي يعتبر بيت المال ملکاً شخصيّاً، ويدافع عن شاربي الخمور ويولّيهم الاُمور، ويضرب صاحب النبيّ ويطرده، وخلّف بعد موته عشرات الآلاف من الدراهم والدنانير - من بيت المال - لنفسه؟ أيصحّ أن يضحّي بکلّ هؤلاء المسلمين من أجل الأخذ بثأر مثل هذا الشخص؟!

کلّا، فإنّ الطلب بدم عثمان کان ذريعة ليس إلّا، وإلّا فإنّ معاوية وأصحابه أثاروا حرب صفّين اتّباعاً للهوي، وعبادةً للدنيا، وطلباً للجاه، وحسداً لعليّ عليه السلام وبنيه، ووجّهوا من خلالها ضربة عنيفة للإسلام.

لو أنّ هذه الحروب قد قامت من أجل نصرة الإسلام فأيّة ثمار عظيمة کانت ستؤتي، وکم ستروي شجرة الإسلام وتعود بالنفع علي المسلمين، ولحدثت روح جديدة في الإسلام ينفخها فيه عليّ عليه السلام بقوّته، ولعاد الحقّ يسير في مجراه الطبيعي؟

لکن وبناءً علي قول جماعة من المؤرّخين فإنّ معرکة صفّين قد وقعت بعد ستّة أشهر من معرکة الجمل - أي أوّل ذي الحجّة سنة 36 - وانتهت في 13 صفر سنة 37، فلم تمض سنة علي حکومة عليّ عليه السلام حتّي فرضت عليه حربان مهمّتان شعواءان: حرب الجمل وحرب صفّين، ولم تمض بعدهما فترة حتّي فرضت عليه معرکة النهروان، ولذلک لم يدعوا عليّاً عليه السلام الّذي کان مع الحقّ والحقّ معه يطبّق الحقّ والمساواة في المجتمع، ويجري العدالة بحذافيرها بين النّاس.

مضي ما مضي، وألف أسف وغمّ، علي أنّ الدنيا قد حرمت من أن تنهل من معين مثال الفضائل والتقوي - نعني عليّاً عليه السلام - وأخيراً قتلت تداعيات تلک الحروب عليّاً عليه السلام، وهو في محرابه لتسرق وإلي الأبد مثال العدل والمساواة والتقوي من المجتمع الإسلامي.

قال السيّد محسن الأمين في ذلک: صفّين هي من الحروب العظيمة الّتي وقعت في الإسلام، وقتل فيها من الفريقين مائة وعشرة آلاف علي الأکثر، وسبعون ألفاً علي الأقلّ، وکان الباعث عليها کالباعث علي حرب الجمل، وهو حبّ الدنيا، والعداوة للرسول صلي الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام، ولو کانت هذه الحروب في نصرة الإسلام لجرّت علي الإسلام خيراً کثيراً بقدر ما جرّت عليه من الضرر أو أکثر.[1] .







  1. أعيان الشيعة 465:1.