تذكير عليّ الزبير وانصرافه عن الحرب ثمّ مقتله











تذکير عليّ الزبير وانصرافه عن الحرب ثمّ مقتله



قال المسعودي: وخرج عليّ عليه السلام بنفسه حاسراً علي بغلة رسول اللَّه، لا سلاح عليه، فنادي: «يا زبير، اخرج إليَّ»، فخرج إليه الزبير شاکّاً بسلاحه... فقال له عليّ عليه السلام: «ويحک يا زبير! ما الّذي أخرجک؟»، قال: دم عثمان، قال عليه السلام: «قتل اللَّه أولانا بدم عثمان، أما تذکر يوم لقيت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في بني بياضة وهو راکب حماره، فضحک إليَّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وضحکتُ إليه وأنت معه، فقلتَ أنتَ: يا رسول اللَّه، ما يدع عليٌّ زَهوه؟ فقال لک: «ليس به زهو، أتحبّه يا زبير؟»، فقلت: إنّي - واللَّه - اُحبّه، فقال لک: «إنّک - واللَّه - ستقاتله وأنت له ظالم»؟ فقال الزبير: أستغفر اللَّه، واللَّه لو ذکرتها ما خرجتُ، فقال عليه السلام له: «يا زبير، ارجع»، فقال: وکيف أرجعُ الآن وقد التقت حَلْقَتا البطان؟ هذا واللَّه العار الّذي لا يُغسل، فقال عليه السلام: «يا زبير، ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنّار»، فرجع الزبير وهو يقول:


اخترتُ عاراً علي نارٍ مؤجَّجَةٍ
ما أن يقوم لها خلق من الطين


نادي عليُّ بأمر لستُ أجهله
عار لعمرک في الدنيا وفي الدين


فقلت: حسبک من عَذْل أبا حسن
فبعضُ هذا الّذي قد قلت يکفيني


فقال ابنه عبداللَّه: أين تذهب وتَدَعُنا؟ فقال: يا بُنيّ، أذکَرَني أبو الحسن بأمر کنتُ اُنسيتُه، فقال: لا واللَّه، ولکنّک فررتَ من سيوف بني عبدالمطّلب[1] فإنّها طوال حداد يحملها فتية أنجاد، قال: لا واللَّه، ولکنّي ذکرتُ ما أنسانيه الدهر، فاخترتُ العار علي النّار، أبالجبن تعيّرني لا أباً لک؟ ثمّ أمال سنانه وشدَّ في الميمنة.

فقال عليّ عليه السلام: «أفرجوا له فقد هاجوه»، ثمّ رجع فشدَّ في الميسرة، ثمّ رجع فشدَّ في القلب، ثمّ عاد إلي ابنه، فقال: أيفعل هذا جبان؟ ثمّ مضي منصرفاً حتّي أتي وادي السباع، والأحنف بن قيس معتزل في قومه من بني تميم، فأتاه آتٍ فقال له: هذا الزبير مارّاً، فقال: ما أصنع بالزبير وقد جمع بين فئتين عظيمتين من النّاس يقتل بعضهم بعضاً، وهو مارّ إلي منزله سالماً؟!

فلحقه نفر من بني تميم فسبقهم إليه عمرو بن جُرموز وقد نزل الزبير إلي الصلاة فقتله عمرو في الصلاة، وقُتِل الزبير وله خمس وسبعون سنة، وأتي عمرو عليّاً بسيف الزبير وخاتمه ورأسه، وقيل: إنّه لم يأت برأسه.

فقال عليّ عليه السلام: «سيف طالما جلا الکرب عن وجه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لکنّه الحين ومصارع السوء، وقاتلُ ابن صفية (يعني قاتل الزبير) في النّار»، ففي ذلک يقول عمرو بن جرموز التميمي في أبيات:


أتيتُ عليّاً برأس الزبير
وقد کنتُ أرجو الزلفهْ


فبشّر بالنّار قبل العيان
وبئس بشارة ذي التحفهْ


لَسيّان عندي قتلُ الزبير
وضرطة عَنز بذي الجحفهْ[2] .


وفي (أعيان الشيعة): عن ابن أبي الحديد: وخرج ابن جُرموز علي عليّ عليه السلام مع أهل النهروان، فقتله معهم فيمن قتل.[3] .







  1. وفي المناقب لابن شهرآشوب 155:3، قالت عائشة: بل خفت سيوف ابن أبي طالب.
  2. راجع: مروج الذهب 270:2، وفي المناقب لابن شهرآشوب 154:3، والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالکي: 79، وقريب من هذا المضمون.
  3. أعيان الشيعة 456:1.