تذكير عليّ أصحاب عائشة لمّا تواقف الجمعان











تذکير عليّ أصحاب عائشة لمّا تواقف الجمعان



روي ابن ابي الحديد في شرحه: ورکبت عائشة يوم الحرب الجملَ المسمّي عسکراً في هودجٍ، قد اُلبس الرفرف، ثمّ اُلبس جلود النِّمر، ثمّ اُلبس فوق ذلک دروع الحديد.

إلي أن قال: وخطبت عائشة والنّاس قد أخذوا مصافّهم للحرب، فقالت:

أمّا بعد.. فإنّا کنّا نقمنا علي عثمان ضربَ السوط، وإمرة الفتيان، ومرتع السحابة المحميّة، ألا وإنّکم استعتبتموه فأعتبکم، فلمّا مُصتموه[1] کما يماصّ الثوب الرحيض[2] عَدضوتم عليه، فارتکبتم منه دماً حراماً، وأيمُ اللَّه إن کان لأحصنَکم فَرْجاً وأتقاکم للَّه.[3] .

وعن المسعودي - بعد نقل قدوم عليّ عليه السلام البصرة - قال: فسار حتّي نزل الموضع المعروف بالزاوية، فصلّي أربع رکعات، وعفّر خدّيه علي التراب وقد خالط ذلک دموعه، ثمّ رفع يديه يدعو: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَواتِ وَمَا أَظَلَّتْ، وَالْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَّتْ، وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، هذِهِ الْبَصْرَةُ أَسْأَلُکَ مِنْ خَيْرِهَا، وَأَعُوذُ بِکَ مِنْ شَرِّهَا. اللَّهُمَّ أَنْزِلْنَا فِيهَا خَيْرَ مُنْزَلٍ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. اللَّهُمَّ (إِنَّ) هؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ خَلَعُوا طَاعَتِي، وَبَغَوا عَلَيَّ وَنَکَثُوا بَيْعَتِي. اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ».[4] .

وبعث إليهم مَن يناشدهم اللَّه في الدماء، وقال: «عَلَامَ تقاتلونني؟»، فأبوا إلّا الحرب، فبعث إليهم رجلاً من أصحابه يقال له مسلم، معه مصحف يدعوهم إلي اللَّه، فرموه بسهم فقتلوه، فحُمِل إلي عليّ عليه السلام وقالت اُمّه:


يا ربّ إنّ مسلماً أتاهم
يتلو کتاب اللَّه لا يخشاهم


فخضَّبُوا من دمه لحاهم
واُمّه قائمة تراهم


وأمر عليّ عليه السلام أن يصافّوهم، ولا يبدأوهم بقتال، ولا يرموهم بسهم، ولا يضربوهم بسيف، ولا يطعنوهم برمح، حتّي جاء عبداللَّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي من الميمنة بأخٍ مقتول، وجاء قوم من الميسرة برجلٍ قد رُمي بسهمٍ فقُتِل، فقال عليّ عليه السلام: «اللّهم اشهد»، وأعذروا إلي القوم.

ثمّ قام عمّار بن ياسر بين الصفّين وخاطبهم وناصحهم لکن تواتر عليه الرمي واتّصل، فحرّک فرسه وزال عن موضعه وأتي عليّاً عليه السلام، فقال: ماذا تنتظر - يا أمير المؤمنين - وليس لک عند القوم إلّا الحرب؟![5] .







  1. الموص: الغسل.
  2. الرحيض: المغسول.
  3. شرح ابن أبي الحديد 227:6.
  4. مروج الذهب 370:2.
  5. مروج الذهب 370:2.