عائشة تتجهّز بالعدِّة والعدد وتقصد البصرة











عائشة تتجهّز بالعدِّة والعدد وتقصد البصرة



ولمّا انصرفت عائشة إلي مکّة قصدت الحَجَر، فاجتمع النّاس إليها فقالت: أيّها النّاس،إنّ الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا علي هذا الرجل المقتول ظلماً بالأمس ونقموا عليه استعمال من حَدَث سنّه... فلمّا لم يجدوا حجّة ولا عذراً بادروا بالعدوان، فسفکوا الدم الحرام، واستحلّوا البلد الحرام والشهر الحرام، وأخذوا المال الحرام، واللَّه لإصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم!! واللَّه! إنّ الّذي اعتدوا به عليه کان ذنباً لخلص منه کما يخلص الذهب من خبثه، والثوب من درنه إذ ماصوه کما يماص الثوب بالماء.

فقال عبداللَّه بن عامر الحضرمي، وکان عامل عثمان علي مکّة: ها أنا أوّل طالب بدمه، فکان أوّل مجيب وتبعه بنو اُميّة، وکانوا هربوا من المدينة بعد قتل عثمان إلي مکّة فرفعوا رؤوسهم، وکان أوّل ما تکلّموا بالحجار وتبعهم سعيد بن العاص والوليد بن عتبة، وسائر بني اُميّة، وقدم عليهم عبداللَّه بن عامر من البصرة بمال کثير، ويَعلي بن مُنية من اليمن ومعه ستمائة بعير وستّة آلاف دينار فأناخ بالأبطح.

وقدم طلحة والزبير من المدينة ولقيا عائشة فقالت: ما وراءکما؟ قالا: إنّا تحمّلنا هرباً من المدينة من غوغاءِ وأعارب وفارقنا قوماً حياري لا يعرفون حقّاً ولا ينکرون باطلاً ولا يمنعون أنفسهم، فقالت: انهضوا إلي هذه الغوغاء، فقالوا: نأتي الشام، فقال ابن عامر: کفاکم الشام معاوية فأتوا البصرة، فاستقام الرأي علي البصرة..

وکانت أزواج النبيّ معها علي قصد المدينة، فلمّا تغيّر رأيها إلي البصرة ترکن ذلک، وأجابتهم حفصة إلي المسير معهم، فمنعها أخوها عبداللَّه، وجهّزهم يعلي بن مُنيّة بستّمائة بعير وستّمائة ألف درهم، وجهّزهم ابن عامر بمال کثير، ونادي مناديها: إنّ اُمّ المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلي البصرة، فمن أراد إعزاز الإسلام وقتال المستحلّين والطلب بثأر عثمان وليس له مرکب فليأت!! فحموا علي ستّمائة بعير وساروا في ألف، وقيل: في تسعمائة من أهل المدينة ومکّة ولحقهم النّاس، فکانوا في ثلاثة آلاف رجل.[1] .

وروي الشارح المعتزلي وغيره: لمّا عزمت عائشة علي الخروج إلي البصرة وطلبوا لها بعيراً أيّداً يحمل هودجها، فجاءهم يعلي بن مُنية ببعير يسمّي عسکراً، وکان عظم الخلق شديداً، فلمّا رأته أعجبها وأنشأ الجمّال يحدّثها بقوّته وشدّته ويقول في أثناء کلامه (عسکر)، فلمّا سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت: ردّوه لا حاجة لي فيه، وذکرت حيث سئلت أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ذکر لها هذا الاسم ونهاها عن رکوبه، وأمرت أن يطلب لها غيره، فلم يوجد لها ما يشبهه، فغيّر لها بجلال غير جلاله، وقيل لها: قد أصبنا لک أعظم منه خلقاً وأشدّ منه قوّة، واُتيت به فرضيت!![2] .







  1. راجع: بحار الأنوار 144:32، والفصول المهمّة: 68، وتاريخ الطبري 469:3.
  2. شرح ابن أبي الحديد 224:6، وبحار الأنوار 138:32.