فرح عايشه لمقتل عثمان ومطالبتها بدمه عندما بويع عليّ











فرح عايشه لمقتل عثمان ومطالبتها بدمه عندما بويع عليّ



روي ابن أبي الحديد في (شرحه): أنّ عائشة - لمّا بلغها قتل عثمان - قالت: أبعده اللَّه قتله ذنبه، وأقاده اللَّه بعمله. يا مشعر قريش، لا يسومنّکم قتل عثمان کما سام أحمر ثمود ناقة قومه، إنّ أحقّ النّاس بهذا الأمر ذو الاصبع (أي طلحة)، فلمّا جاءت الأخبار ببيعة عليّ عليه السلام قالت: تَعِسوا، تَعِسوا! لا يَردّون الأمر في تيم أبداً.[1] .

ثم نقل ابن ابي الحديد عن المدائني في (کتاب الجمل): لمّا قتل عثمان، کانت عائشة بمکّة، وبلغ قتله إليها وهي بشراف، فلم تشکّ في أنّ طلحة هو صاحب الأمر، وقالت: بُعداً لنعثل وسحقاً، إيه ذا الإصبع! إيه أبا شِنل! إيه يابن عمّ! لکأنّي أنظر إلي إصبعه وهو يبايع له: حثّوا الإبل ودعدعوها، وقد کان طلحة حين قتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال وأخذ نجائب کانت لعثمان في داره، ثمّ فسد أمره، فدفعها إلي عليّ بن أبي طالب عليه السلام.[2] .

وعندما سمعت عائشة أنّ طلحة لم يصل إلي خلافة المسلمين، وأنّهم بايعوا عليّاً عليه السلام تضايقت لهذا الأمر، وطالبت بدم عثمان، فانصرفت إلي مکّة وهي تقول: «قُتِل واللَّه عثمان مظلوماً، واللَّه! لأطلبنّ بدمه»، فقيل لها: ولِمَ؟ واللَّه! إنّ أوّل من أمال حرفه لأنت؟ ولقد کنتِ تقولين: «اقتلوا نعثلاً فقد کفر؟»، قالت: إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه، وقد قلت وقالوا: وقولي الأخير خير من قولي الأوّل.[3] .

فقال لها ابن اُمّ کلاب:


فمنک البداء ونک الغَير
ومنک الرِّياحُ ومنک المطر


وأنت أمرتِ بقتل الإمام
وقلتِ لنا إنّه قد کفر


فهبنا أطعناک في قتله
وقَاتِله عندنا من أمَر


وتلبسُ للحرب أثوابها
وما من وفي مثلُ من قد غَدر[4] .


وقال ابن أبي الحديد عن أبي مخنف في کتابه: إنّ عائشة لمّا بلغها قتلُ عثمان وهي بمکّة أقبلت مسرعة وهي تقول: إيه ذا الاصبع، للَّهِ أبوک! أما أنّهم وجدوا طلحة لها کفواً، فلمّا انتهيت إلي شِراف، استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له: ما عندک؟ قال: قُتِل عثمان، قالت: ثمّ ماذا؟ قال: ثمّ حارت به الاُمور إلي خير مَحارٍ بايعوا عليّاً عليه السلام.

ثمّ نقل عن عايشه، فقالت: لوددت أنّ السماء انطبقت علي الأرض إن تمّ هذا، ويحک! انظر ما تقول؟ قال: هو ما قلت لک يا اُمّ المؤمنين، فولولت، فقال لها: ما شأنکِ يا اُمّ المؤمنين؟ واللَّه ما أعرف بين لابتيها أحداً أوْلي بها منه ولا أحقّ، ولا أري له نظيراً في جميع حالاته، فلماذا تکرهين ولايته؟ قال: فما ردّت عليه جواباً.[5] .

وروي ابن أبي الحديد أيضاً: عن قيس بن أبي حازم، مثله، إلّا أنّه قال: ورأيتها في سيرها إلي مکّة تخاطب نفسها، کأنّها تخاطب أحداً: قتلوا ابن عفّان مظلوماً!! فقلت لها: يا اُمّ المؤمنين، ألم ا سمعکِ آنفاً تقولين: أبعده اللَّه، وقد رأيتکِ قبلُ أشدُّ النّاس عليه وأقبحهم فيه قولاً؟ فقالت: لقد کان ذلک ولکنّي نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتّي إذا ترکوه کالفضّة البيضاء أتوه صائماً محرماً في شهر حرام فقتلوه!![6] .

فهل تنظر ايها المسلم بان عائشة تعترف بأنّ عثمان لم يتب الي حين قتله، لکن غيرتها وحسدها لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام دفعها إلي اتّخاذ قتل عثمان ذريعة لقتال عليّ عليه السلام وإشعال نار الفتنة.







  1. شرح ابن أبي الحديد 216:6.
  2. المصدر السابق، وأعيان الشيعة 447:1، والمناقب لابن شهرآشوب 149:3.
  3. الکامل في التاريخ 313:2.
  4. المصدر السابق 313: 2، هذا بعض أشعاره.
  5. شرح ابن أبي الحديد 215:6. وروي الطبري عن الشعبي في (تاريخه) 469: 3، نحوه.
  6. شرح ابن أبي الحديد 216:6.