كلمة حول قوله «فإنّي ولدت علي الفطرة»











کلمة حول قوله «فإنّي ولدت علي الفطرة»



ذکر ابن أبي الحديد في (شرحه علي نهج البلاغة) حول الحديث من قوله عليه السلام: «فإنّي وُلِدْتُ علي الفطرة، و سبقتُ إلي الإيمان و الهجرة»[1] مطالب نذکر محلّ الحاجة منها. قال: ومراده عليه السلام هاهنا بالولادة علي الفطرة: أنّه لم يولد في الجاهلية؛ لأنّه ولد لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل، والنبيّ صلي الله عليه و آله اُرسل لأربعين سنة مضت من عام الفيل، وقد جاء في الأخبار الصحيحة: أنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مکث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويري الضوء، ولا يخاطبه أحدٌ، وکان ذلک إرهاصاً لرسالته، فحکم تلک السنين العشر حکم أيّام رسالته، فالمولود فيها إذا کان في حجره وهو المتولّي لتربيته مولود في أيّام کأيّام النبوّة، وليس بمولود في جاهليّة محضة، ففارقت حاله حال من يدّعي له من الصحابة مماثلته في الفضل.

وقد روي أنّ السنة الّتي ولد فيها عليّ عليه السلام هي السنة الّتي بدأ فيها برسالة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فاُسمع الهتاف من الأحجار والأشجار، وکشف عن بصره، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يخاطب فيها بشي ء، وهذه السنة هي السنة الّتي ابتدأ فيها بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتّي کوشف بالرسالة واُنزل عليه الوحي.

وکان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يتيمّن بتلک السنة، وبولادة عليّ فيها، ويسمّيها سنة الخير وسنة البرکة، وقال لأهله ليلة ولادته - وفيها شاهد ما شاهد من الکرامات والقدرة الإلهيّة، ولم يکن من قَبلِها شاهد من ذلک شيئاً -: «لقد وُلد لنا الليلة مولود يَفتح اللَّه علينا به أبواباً کثيرة من النعمة والرحمة»، وکان کما قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: فإنّه کان ناصره، والمحامي عنه، وکاشف الغمّاء عن وجهه، وبسيفه ثبت دين الإسلام، واُرست دعائمه، وتمهّدت قواعده سلام اللَّه وصلواته عليهما وعلي آلهما.

ثم قال الشارح المعتزلي: و في المسألة تفسير آخر وهو: أنّه يعني بقوله عليه السلام: «فإنّي ولدت علي الفطرة»، أي علي الفطرة الّتي لم تتغيّر ولم تحل؛ وذلک أنّ معني قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «کلّ مولود يولد علي الفطرة» أنّ کلّ مولود قد هيّأه اللَّه بالعقل الّذي خلقه فيه، وبصحّة الحواسّ والمشاعر لأن يعلم التوحيد والعدل، ولم يجعل فيه مانعاً يمنعه من ذلک، ولکنّ التربية وعقيدة الوالدين واُلفته لاعتقادهما وحسن الظنّ فيهما يصدّه عمّا فطر عليه، وأمير المؤمنين عليه السلام دون غيره وُلد علي الفطرة الّتي لم تحلّ ولم يصدّ عن مقتضاها مانع، لا من جانب الأبوين ولا من جهة غيرهما، وغيره ولد علي الفطرة، ولکنّه حال عن مقتضاها، وزال عن موجبها.

فقال في ختام کلامه: ويمکن أن يفسّر بأنّه عليه السلام أراد بالفطرة العصمة، وأنّه منذ ولد لم يواقع قبيحاً، ولا کان کافراً طرفة عين قطّ، ولا مخطئاً ولا غالطاً في شي ء من الأشياء المتعلّقة بالدين، وهذا تفسير الإماميّة.[2] .







  1. نهج البلاغة من الخطبة 57.
  2. شرح ابن أبي الحديد 114:4.